فصل: باب القضاء في جامع الرهون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما لا يجوز من غلق الرهن

1398- مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ لا يغلق الرهن‏)‏ قال مالك وتفسير ذلك فيما نرى والله اعلم ان يرهن الرجل الرهن عند الرجل بالشيء وفي الرهن فضل عما رهن به فيقول الراهن للمرتهن ان جئتك بحقك إلى اجل يسميه له والا فالرهن لك بما رهن فيه قال فهذا لا يصلح ولا يحل وهذا الذي نهي عنه وان جاء صاحبه بالذي رهن به بعد الاجل فهو له وارى هذا الشرط منفسخا قال ابو عمر قد ذكرنا في ‏(‏التمهيد‏)‏ من وصل الحديث فجعله عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة من رواة مالك ومن رواة بن شهاب ايضا ومنهم من يرويه عن بن شهاب عن سعيد وابي سلمة عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يزيد فيه مرسلا ومسندا ‏(‏الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه‏)‏ وجعله بعضهم من قول سعيد بن المسيب وقد حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني علي بن الحسن واحمد بن محمد بن يزيد الحلبي قالا حدثني علي بن عبد الحميد الغضائري قال حدثني مجاهد بن موسى قال حدثني معن بن عيسى عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏لا يغلق الرهن وهو من صاحبه‏)‏ هكذا جاء هذا الاسناد عن معن بن عيسى وليس كذلك في الموطا ورواه معمر وبن ابي ذئب ويحيى بن ابي انيسة كلهم عن الزهري عن سعيد عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏لا يغلق الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه‏)‏ وقد ذكرنا الاسانيد بكل ذلك من طرق متواترة في ‏(‏التمهيد‏)‏ والحمد لله كثيرا واصل هذا الحديث عند اكثر اهل العلم به مرسل وان كان قد وصل من جهات كثيرة الا انهم يعللونها على ما ذكرنا عنهم في ‏(‏التمهيد‏)‏ وهم مع ذلك لا يدفعه بل الجميع يقبله وان اختلفوا في تاويله والرواية فيه ‏(‏لا يغلق الرهن‏)‏ بضم القاف على الخبر بمعنى الرهن ليس يغلق أي لا يذهب ولا يتلف باطلا والله اعلم والنحويون يقولون غلق الرهن اذا لم يوجد له تخلص قال زهير‏:‏

وفارقتك برهن لا فكاك له *** يوم الوداع فامسى الرهن قد غلقا

وقال قعنب بن ام صاحب‏:‏

بانت سعاد وامسى دونها عدن *** وغلقت عندها من قلبك الرهن

وقال اخر‏:‏

كان القلب ليلة قيل يغدي *** بليلى العامرية او يراح

قطاة عرها شرك فباتت *** تجاذبه وقد غلق الجناح

وقد اكثرنا في ‏(‏التمهيد‏)‏ من الشواهد بالشعر في هذا المعنى وقال ابو عبيد لا يجوز في كلام العرب ان يقال في الرهن اذا ضاع قد غلق انما يقال قد غلق اذا استحقة المرتهن فذهب به ثم ذكر نحو تفسير مالك له في الموطا وعلى نحو تفسير مالك لذلك فسره سفيان الثوري وبمثل ذلك جاء تفسيره عن شريح القاضي وطاوس وابراهيم النخعي وقد كان الزهري يقوله ثم رجع عنه اخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن يحيى بن عمر قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو عن طاوس قال اذا رهن الرجل الرهن فقال صاحبه ان لم اتك إلى كذا وكذا فالرهن لك قال ليس بشيء ولكن يباع فياخذ حقه ويرد ما فضل روى هشيم عن منصور عن ابراهيم قال اذا اقرض الرجل الرجل قرضا ورهنه رهنا وقال له ان اتيتك بحقك إلى اجل كذا والا فهو لك بما فيه قال ليس هذا بشيء هو رهن على حاله لا يغلق وهذا كله كما فسره مالك - رحمه الله وهذا يدل على ان قوله ‏(‏لا يغلق الرهن‏)‏ انما هو في الرهن القائم الموجود لا فيما هلك من الرهون وانه لياخذه المرتهن اذا حل الاجل بماله عليه من الشرط الذي ابطلته السنة وجعلت صاحبه اولى به اذا اراد افتكاكه فادى دينه وذكر عبد الرزاق عن معمر قال قلت للزهري ارايت قوله ‏(‏لا يغلق الرهن‏)‏ اهو الرجل يقول ان لم اتك بمالك فهذا الرهن لك قال نعم قال معمر ثم بلغني انه ان هلك لم يذهب حق هذا انما هلك من رب المال له غنمه وعليه غرمه قال ابو عمر اختلف العلماء - قديما وحديثا - من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في الرهن يهلك عند المرتهن ويتلف من غير جناية منه ولا تضييع فقال مالك بن انس والاوزاعي وعثمان البتي اذا كان الرهن مما يخفي هلاكه نحو الذهب والفضة والثياب والحلي والسيف واللجام وسائر ما يغاب عليه من المتاع ويخفى هلاكه فهو مضمون على المرتهن ان هلك وخفي هلاكه ويترادان الفضل فيما بينهما وان كانت قيمة الرهن اكثر من الدين ذهب الدين كله ويرجع الراهن على المرتهن بفضل قيمة الرهن وان كانت قيمة الرهن مثل الدين ذهب بما فيه وان كانت اقل اتم الراهن للمرتهن دينه وان اختلفا فسياتي القول فيه في باب بعد هذا حيث ذكره مالك - رحمه الله وكان مالك وبن القاسم يذهبان فيما يغاب عليه من الرهن انه ان قامت البينة على هلاكه فليس بمضمون الا ان يتعدى فيه المرتهن او يضيعه فيضمن وقال اشهب كل ما يغاب عليه مضمون على المرتهن خفي هلاكه او ظهر وهو قول الاوزاعي والبتي واتفق مالك واصحابه والاوزاعي وعثمان البتي في الرهن اذا كان مما يظهر هلاكه نحو الدور والارضين والحيوان وما كان مثل ذلك كله فهلك انه من مال الراهن ومصيبته منه والمرتهن فيه امين وروى هذا القول الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير عن علي بن ابي طالب - رضي الله عنه وقال بن ابي ليلى وعبيد الله بن الحسن واسحاق وابو عبيد في هلاك الرهن عند المرتهن انهما يترادان الفضل بينهما على مثل قول مالك والاوزاعي والبتي الا انه لا فرق عندهم بين ما يظهر هلاكه وبين ما لا يظهر وبين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه والرهن عندهم مضمون على كل حال حيوانا كان او غيره وروي هذا القول ومعناه عن علي بن ابي طالب من حديث قتادة عن خلاس عن علي - رضي الله عنه وروي ايضا عن بن عمر من حديث ادريس الاودي عن ابراهيم بن عميرة عن بن عمر الا ان ابراهيم بن عميرة مجهول لا يعرف وقال سفيان الثوري وابو حنيفة واصحابه والحسن بن حي ان كان الرهن مثل الدين او اكثر فهو بما فيه وان كان اقل من الدين ذهب من الدين بقدره ورجع المرتهن على الراهن بما نقص من قيمة الرهن عن الدين والرهن عندهم مضمون بقيمة الدين فما دون وما زاد على الدين فهو امانة وروي مثل هذا القول عن علي مثله من حديث عبد الاعلى عن محمد بن الحنفية عن علي وهو احسن الاسانيد في هذا الباب عن علي - رضي الله عنه وقال شريح القاضي وعامر الشعبي وشريك وغير واحد من الكوفيين يذهب الرهن بما فيه من الدين اذا هلك سواء كانت قيمته مثل الدين او اقل او اكثر ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء وهو قول الفقهاء السبعة المدنيين الا انهم انما يجعلونه بما فيه اذا هلك وعميت قيمته ولم تقم بينه على ما فيه فان قامت بينة على ما فيه ترادا الفضل وبه قال الليث بن سعد ومالك بن انس اذا عميت قيمة الرهن واقر الراهن والمرتهن جميعا انهما لا يعرفان قيمته فهو بما فيه قال الليث وبلغني ذلك عن علي بن ابي طالب - رضي الله عنه والحيوان عند الليث لا يضمن الا ان يتهم المرتهن في دعوى الموت والاباق قال الليث بالموت يكون ظاهرا معلوما لا يخفى وان اعلم المرتهن الراهن بموته او اباقه او اعلم السلطان - ان كان صاحبه غائبا - حلف وبرىء وقالت طائفة من اهل الحجاز منهم سعيد بن المسيب وبن شهاب الزهري وعمرو بن دينار ومسلم بن خالد الزنجي والشافعي واصحابه الرهن كله امانة قليلة وكثيرة ما يغاب عليه منه وما لا يغاب عليه ولا يضمن الا بما يضمن به الودائع من التعدي والتضييع كسائر الامانات ولا يضير المرتهن هلاك الرهن ودينه ثابت على حاله وسواء عندهم الحيوان في ذلك والدور والرباع والثياب والحلي وغير ذلك وبه قال احمد بن حنبل وابو ثور وداود بن علي وجمهور اهل الحديث وحجتهم في ذلك حديث سعيد بن المسيب عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يرسله عن سعيد ومنهم من يجعله من قوله ‏(‏الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه‏)‏ وقد اوضحنا ذلك كله في ‏(‏التمهيد‏)‏ وقال هؤلاء يعني قوله صلى الله عليه وسلم له عنه أي له غلته وخراجه وفائدته كما له رقبته ومعنى عليه غرمه أي فكاكه ومصيبته قالوا والمرتهن ليس بمعتد حينئذ فيضمن وانما يضمن من تعدى وقال المزني قد قال مالك ومن تابعه ان الحيوان ما ظهر هلاكه امانة وقال ابو حنيفة ومن قال بقوله ما زاد على قيمة الرهن فهو امانة فالواجب بحق النظر ان يكون كله امانة ومعنى قوله له غنمة وعليه غرمه عند مالك واصحابه أي له غلته وخراجه واجرة عمله كما قال من تقدم ذكره قالوا ومعنى قوله وعليه غرمه أي نفقته ليس الفكاك والمصيبة قالوا لان الغنم اذا كان الخراج والغلة كان الغرم ما قابل ذلك من النفقة قالوا والاصل ان المرتهن اذا لم يتعمد لم يضمن ما ظهر هلاكه ويضمن ما غاب هلاكه من حيث ضمنه المستعير سواء لان لكل واحد منهما اخذ الشيء لمنفعة نفسه والمرتهن اخذه وتبعه بحقه والمستعير اخذ العارية للمنفعة بها دون صاحبها ما دامت عنده وليس كذلك الامانه لان الامين ياخذها لمنفعة ربها وذلك حفظها عليه وحراستها له قالوا وفي معنى قوله له غنمه وعليه غرمه قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الرهن مركوب ومحلوب‏)‏ أي اجر ظهره لربه ونفقته عليه ولا يجوز ان يكون ذلك للمرتهن لانه ربا من اجل الدين الذي له ولا يجوز ان يكون الراهن يلي الركوب والحلاب لانه كان يصير حينئذ الرهن عنده غير مقبوض والرهن لا بد ان يكون مقبوضا ولو ركبه لخرج من الرهن واما ابو حنيفة واصحابه فتاويل قوله -عليه السلام- عندهم ‏(‏له غنمه وعليه غرمه‏)‏ أي لا يكون غنمه للمرتهن ولكن يكون للراهن وغنمه عندهم ما فضل من الدين وغرمه ما نقص من الدين وهذا كله ايضا عندهم في سلامة الرهن لا في عطبه والرهن عندهم مضمون بالدين لا بنفسه ولا قيمته ومن حجتهم ان المرتهن لما كان احق بالرهن من سائر الغرماء في الفلس علم انه ليس كالوديعة فانه مضمون ولانه لو كان امانة لم يكن المرتهن احق به‏.‏

وقال الشافعي معنى قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا يغلق الرهن‏)‏ قول عام لم يخص فيه ما يظهر هلاكه مما لا يظهر وما يعاب عليه مما لا يعاب عليه ومن فرق بين شيء من ذلك فقد قال بما لا يعضده نص ولا قياس ولو عكس هذا القول على قائله فقيل ما ظهر هلاكه لا يكون امانة لانهما قد رضيا ان يكون الرهن بما فيه او مضمونا بقيمته واما ما يخفى هلاكه فقد رضي صاحبه بدفعه إلى المرتهن وهو يعلم ان هلاكه يخفى فقد رضي فيه امانته فهو لامانته فان هلك لم يهلك من مال المرتهن وذلك لا يصح لانه لا دليل لقائله من نص كتاب ولا سنة ولا قياس قال ولا خلاف علمته بين العلماء ان ما ظهر هلاكه من الامانة وما خفي سواء انه مضمون وما ظهر او خفي هلاكه من المضمون سواء في انه مضمون قال وكذلك قول اهل الكوفة لا يستقيم في قياس ولا نظر ولا فيه اثر يلزم انهم جعلوا الرهن مرة مضمونا بما فيه الدين ومرة مضمونا بالقيمة بما فيه والمضمونات انما تضمن بالقيمة اذا فاتت كانما فيها من الحق فان ذكروا رواية عن علي فالخلاف عن علي موجود والسنة تدل على انه امانة وبالله التوفيق اختصرت كلامه هذا ولكل هذه الطوائف حجج يطول ذكرها قد تقصاها اصحابهم كل لمذهبه وبالله التوفيق لا شريك له‏.‏

باب القضاء في رهن الثمر والحيوان

1399- قال مالك فيمن رهن حائطا له إلى اجل مسمى فيكون ثمر ذلك الحائط قبل ذلك الاجل ان الثمر ليس برهن مع الاصل الا ان يكون اشترط ذلك المرتهن في رهنه وان الرجل اذا ارتهن جارية وهي حامل او حملت بعد ارتهانه اياها ان ولدها معها قال مالك وفرق بين الثمر وبين ولد الجارية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ من باع نخلا قد ابرت فثمرها للبائع الا ان يشترطه المبتاع‏)‏ قال والامر الذي لا اختلاف فيه عندنا ان من باع وليدة او شيئا من الحيوان وفي بطنها جنين ان ذلك الجنين للمشتري اشترطه المشتري او لم يشترطه فليست النخل مثل الحيوان وليس الثمر مثل الجنين في بطن امه قال مالك ومما يبين ذلك ايضا ان من امر الناس ان يرهن الرجل ثمر النخل ولا يرهن النخل وليس يرهن احد من الناس جنينا في بطن امه من الرقيق ولا من الدواب قال ابو عمر لم يختلف قول مالك واصحابه ان ما تلده المرهونة فهو رهن معها وان الثمرة الحادثة ليست برهن معها وان الثمرة مع الاصل لا مع الاشتراط وقال الليث بن سعد اذا كان الدين حالا دخلت الثمرة في الرهن واذا كان إلى اجل فالثمرة إلى صاحب الاصل وروي عنه انه لا تدخل فيه الا ان تكون موجودة يوم الرهن في الشجر‏.‏

وقال الشافعي لا يدخل الولد الحادث ولا الثمرة الحادثة في الرهن كما لا يدخل مال العبد عند الجميع اذا رهن العبد وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد اذا ولدت المرهونة بعد الرهن دخل ولدها في الرهن وكذلك اللبن والصوف وثمر النخل والشجر وهو قول الثوري والحسن بن حي وبه قال ابو جعفر الطبري قال وكذلك الغلة والخراج كل ذلك داخل في الرهن بغير شرط قال ابو عمر قد اوضح مالك وجه الصواب فيما ذهب إليه في هذه المسالة واما الشافعي فحجته ان الثمرة لما لم تدخل في بيع الاصل الا بالشرط دل على انها شيء اخر غير الاصل ولا تدخل في الرهن الا بالشرط بعد ظهورها والامة لا يصح رهن جنينها في بطنها فاذا ولدت فهو مباين لها لم يقع عليه الرهن فهو للراهن واما ابو حنيفة فقاسه على المكاتبة التي ولدها مثلها اذا ولدته بعد الكتابة ولا فرق عنده بين الثمرة والولد لان ذلك كله نمى من الاصل والاحتجاج بمذاهبهم فيه تشعيب والاصل ما ذكرته لك‏.‏

باب القضاء في الرهن من الحيوان

1400- قال مالك الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا في الرهن ان ما كان من امر يعرف هلاكه من ارض او دار او حيوان فهلك في يد المرتهن وعلم هلاكه فهو من الراهن وان ذلك لا ينقص من حق المرتهن شيئا وما كان من رهن يهلك في يد المرتهن فلا يعلم هلاكه الا بقوله فهو من المرتهن وهو لقيمته ضامن يقال له صفه فاذا وصفه احلف على صفته وتسمية ماله فيه ثم يقومه اهل البصر بذلك فان كان فيه فضل عما سمى فيه المرتهن اخذه الراهن وان كان اقل مما سمى احلف الراهن على ما سمى المرتهن وبطل عنه الفضل الذي سمى المرتهن فوق قيمة الرهن وان ابى الراهن ان يحلف اعطي المرتهن ما فضل بعد قيمة الرهن فان قال المرتهن لا علم لي بقيمة الرهن حلف الراهن على صفة الرهن وكان ذلك له اذا جاء بالامر الذي لا يستنكر قال مالك وذلك اذا قبض المرتهن الرهن ولم يضعه على يدي غيره قال ابو عمر قد تقدم القول فيما يغاب عليه من الرهون وما لا يغاب عليه منها في الباب الذي قبل هذا باب غلق الرهن فلا معنى لاعادته ها هنا واما اختلاف الرهن والراهن والمرتهن فيما على الراهن من الدين فقول مالك ما ذكره في ‏(‏الموطا‏)‏ مما قد ذكرناه عنه في هذا الباب ولم يختلف اصحابه عنه ان القول قول المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن ولا نعلم احدا راعى قيمة الرهن في هذه المسالة غير مالك ومن قال بقوله الا انهم لا يكون القول عندهم قول المرتهن الا إلى قيمة الرهن لان الرهن وثيقة بالدين فاشبه إليه وصار القول قول من الرهن في يده إلى مقدار قيمته ولا يصدق على اكثر من ذلك والقول قول الراهن فيما زاد على ذلك فان كان الرهن قائما واختلفا في الدين فان كان الرهن قدر حق المرتهن اخذه بحقه وكان اولى به من الراهن الا ان يشاء رب الرهن ان يعطيه حقه الذي حلف عليه وياخذ رهنه‏.‏

وقال الشافعي وابو حنيفة واصحابهما والثوري والحسن بن حي اذا هلك الرهن واختلف الراهن والمرتهن في مقدار الدين فالقول قول الراهن في الدين مع يمينه ولا قول للمرتهن ها هنا إلى قيمة الرهن ولا ما دون ولا ما فوق لانه مدع عندهم قال ابو عمر المرتهن مدع فاذا لم تكن بينة حلف الراهن على ظاهر السنة المجتمع عليها ولا يلزم الراهن من الدين الا ما اقر به او قامت عليه بينة فان اختلفا في قيمة الرهن الهالك او صفته فالقول قول المرتهن عند مالك واصحابه لانه الضامن لقيمته وهو مدعى عليه والراهن مدع باكثر مما يقر به المرتهن والشافعي والكوفيون على اصولهم المتقدمة وهذا باب مطرد لو وقف على المدعي من المدعى عليه فيه وبالله التوفيق‏.‏

باب القضاء في الرهن يكون بين الرجلين

1401- قال مالك في الرجلين يكون لهما رهن بينهما فيقوم احدهما ببيع رهنه وقد كان الاخر انظره بحقه سنة قال ان كان يقدر على ان يقسم الرهن ولا ينقص حق الذي انظره بحقه بيع له نصف الرهن الذي كان بينهما فاوفي حقه وان خيف ان ينقص حقه بيع الرهن كله فاعطي الذي قام ببيع رهنه حقه من ذلك فان طابت نفس الذي انظره بحقه ان يدفع نصف الثمن إلى الراهن والا حلف المرتهن انه ما انظره الا ليوقف لي رهني على هيئته ثم اعطي حقه عاجلا قال وسمعت مالكا يقول في العبد يرهنه سيده وللعبد مال ان مال العبد ليس برهن الا ان يشترطه المرتهن قال ابو عمر قد مضى الكلام في باب القضاء في رهن الثمر والحيوان ما يغني عن الكلام في مال العبد ولا خلاف عن مالك فيه الا انهم اختلفوا فيما يستفيده العبد المرهون هل يدخل في الرهن ام لا واختلف في ذلك ايضا اصحاب مالك - رحمه الله واتفق بن القاسم واشهب انه لا يكون ما يوهب العبد ولا خراجه رهنا وخالفهما يحيى بن عمر فقال ذلك كله رهن معه قال ابو عمر الصواب ان لا يكون الخراج ولا غيره مما يستفيده رهنا لانه ملك للراهن لم يتعاقد عليه الرهن وقد اتفق العلماء ان مال العبد لا يدخل في البيع الا بالشرط وهي السنة فالرهن احرى بذلك واولى واما القضاء في ارتهان الرجلين فقال مالك ما تقدم ذكره وقال ايضا اذا ارتهن رجلان بدين لهما على رجل دينا وهما فيه شريكان لم يصح قضاء احدهما دون الاخر ولا يقبض الرهن حتى يستوفي المرتهن ماله عليه ما فيه فان لم يكونا فيه شريكين فانه اذا قبض احدهما قبض حصته وقال ابو حنيفة سواء كانا شريكين او غير شريكين لا ياخذان الرهن حتى يستوفيا جميع الدين‏.‏

وقال الشافعي يصح الرهن من رجل لرجلين ومن رجلين لرجل ولكل واحد منهما نصف الرهن فاذا قضى احدهما نصيبه اخذ نصيبه من الرهن فان كان المرتهن واحدا والراهنان اثنين فاجر احدهما او قبض منه حصته من اثنين خرجت حصته من الرهن وكذلك لو كانا رجلين فاجر احدهما او قبض حصته فنصفه خارج من الرهن ويقاسمه ان كان مما يكال او يوزن‏.‏

باب القضاء في جامع الرهون

1402- قال مالك فيمن ارتهن متاعا فهلك المتاع عند المرتهن واقر الذي عليه الحق بتسمية الحق واجتمعا على التسمية وتداعيا في الرهن فقال الراهن قيمته عشرون دينارا وقال المرتهن قيمته عشرة دنانير والحق الذي للرجل فيه عشرون دينارا قال مالك يقال للذي بيده الرهن صفه فاذا وصفه احلف عليه ثم أ قام تلك الصفة اهل المعرفة بها فان كانت القيمة اكثر مما رهن به قيل للمرتهن اردد إلى الراهن بقية حقه وان كانت القيمة اقل مما رهن به اخذ المرتهن بقية حقه من الراهن وان كانت القيمة بقدر حقه فالرهن بما فيه قال ابو عمر هذا كله من قوله على اصله فيما يغاب عليه من الرهون انه على المرتهن مضمون فلما كان مضمونا عليه وكان له دينه الذي اتفقا على تسميته ثم اختلفا في قيمة الرهن وهو تالف قد ضاع واصله ان القول في صفة الرهن قول المرتهن لانه كان بيده وثيقة بدينه فصار مدعى عليه فيما لا يقر به من قيمته فوجبت اليمين عليه في صفته ثم ضمن تلك الصفة وترادا الفضل في ذلك لانهما قد اتفقا على تسمية الدين ولو اختلفا في مبلغ الدين كان القول فيما زاد على الرهن قول الراهن لانه مدعى عليه واما الشافعي فالرهن عنده امانه على ما قدمنا ذكره عنهم ومن قال كقوله فلا يضر المرتهن إلى هلاكه ودينه فان على الراهن بماله فان اتفقا على مبلغ الدين لزم الراهن الخروج عنه والاداء إلى المرتهن وان اختلفا فالمرتهن مدع فان لم تقم له بينة فالقول قول الراهن مع يمينه حينئذ لانه مدعى عليه وهذا كله بين لا اشكال فيه واما ابو حنيفة فالرهن عنده بما فيه اذا هلك وكانت قيمته كالدين او اكثر وان كانت قيمته اقل رجع المرتهن على الراهن بتمام دينه وبكل قول من هذه الاقوال قال جماعة من السلف قد ذكرناهم فيما مضى والحمد لله كثيرا قال مالك الامر عندنا في الرجلين يختلفان في الرهن يرهنه احدهما صاحبه فيقول الراهن ارهنتكه بعشرة دنانير ويقول المرتهن ارتهنته منك بعشرين دينارا والرهن ظاهر بيد المرتهن قال يحلف المرتهن حتى يحيط بقيمة الرهن فان كان ذلك لا زيادة فيه ولا نقصان عما حلف ان له فيه اخذه المرتهن بحقه وكان اولى بالتبدئة باليمين لقبضه الرهن وحيازته اياه الا ان يشاء رب الرهن ان يعطيه حقه الذي حلف عليه وياخذ رهنه قال وان كان الرهن اقل من العشرين التي سمى احلف المرتهن على العشرين التي سمى ثم يقال للراهن اما ان تعطيه الذي حلف عليه وتاخذ رهنك واما ان تحلف على الذي قلت انك رهنته به ويبطل عنك ما زاد المرتهن على قيمة الرهن فان حلف الراهن بطل ذلك عنه وان لم يحلف لزمه غرم ما حلف عليه المرتهن قال ابو عمر هذا بين كله على ما تقدم من اصل قوله لا خلاف عند اصحابه ومنتحلي مذهبه فيه الا في قوله احلف المرتهن على العشرين التي سمى ثم قيل للراهن اما ان تحلف على ما قلت ولا يلزمك اكثر من قيمة رهنك او مبلغ اقررت به من الدين واما ان يغرم ما حلف عليه المرتهن وهذا موضع اختلف فيه بعضهم فذهب بعضهم إلى قول مالك هذا وبعضهم قال قول الراهن مع يمينه فيما زاد على قيمة الرهن مما ادعاه المرتهن ان لم يقم المرتهن بينة بما ادعاه ولا يمين عليه الا ان يردها عليه الراهن واما الشافعي فقد تقدم وصفنا لمذهبه في ان الرهن امانة عنده وما ادعاه المرتهن من الدين عليه فيه البينة فان لم تكن له بينة حلف الراهن على ما اقر به وان لم يكن عليه غير ذلك وله ايضا عنده رد اليمين ان شاء على ما قدمنا من اصله في ذلك ايضا واما الكوفيون فحكى الطحاوي عنهم قال القول قول الراهن في مقدار الدين الذي وقع به الرهن اذا اختلف هو والمرتهن فيه مع يمينه بالله عز وجل على ذلك ان طلب المرتهن يمينه عليه والقول قول المرتهن في قيمة الرهن اذا ضاع في يده واختلف هو والراهن في قيمته مع يمينه بالله عز وجل على ذلك ان طلب الراهن يمينه عليه فان حلف بريء وان نكل عن اليمين لزمه ما ادعاه عليه الراهن فيه قال ابو عمر اتفق الشافعي وابو حنيفة واصحابهما والثوري ان القول قول الراهن اذا خالفه المرتهن في مبلغ ما رهن به الرهن ولم يراعوا مبلغ قيمة الرهن لان الرهن قد يساوي ما رهن به وقد لا يساوي والمرتهن يدعي فيه ما لا يقر له به الراهن فالقول قول الراهن لانه مدعى عليه والبينة في ذلك على المرتهن فان لم تكن له بينة حلف الراهن واخذ رهنه وادعى ما اقر به وهذا القول قول ابراهيم النخعي وعطاء بن ابي رباح واياس بن معاوية وطائفة وحجة من قال بهذا القول اجماعهم على ان من اقر بشيء وليس عليه فيه بينة فالقول قوله واجماعهم ايضا على ان المتبايعين اذا اختلفا في ثمن السلعة انه لا يكون القول قول من ادعى من الثمن ما يكون قيمة السلعة والحجة لمالك ومن قال بقوله ما قاله إسماعيل بن إسحاق في قوله عز وجل ‏(‏ولم تجدوا كاتبا فرهن مقبوضة‏)‏ ‏[‏البقرة 283‏]‏‏.‏

قال فجعل الرهن بدلا من الشهادة لان المرتهن اخذ بحقه وثيقة له فكانه شاهد له لانه يبني على مبلغ الحق فقام مقام الشاهد إلى ان يبلغ قيمته وما جاوز قيمته فلا وثيقة له فيه وكان القول في ذلك قول الراهن وهذا كله قول طاوس والحسن وقتادة ويحيى بن سعيد واكثر اهل المدينة قال مالك فان هلك الرهن وتناكرا الحق فقال الذي له الحق كانت لي فيه عشرون دينارا وقال الذي عليه الحق لم يكن لك فيه الا عشرة دنانير وقال الذي له الحق قيمة الرهن عشرة دنانير وقال الذي عليه الحق قيمته عشرون دينارا قيل للذي له الحق صفه فاذا وصفه احلف على صفته ثم اقام تلك الصفة اهل المعرفة بها فان كانت قيمة الرهن اكثر مما ادعى فيه المرتهن احلف على ما ادعى ثم يعطى الراهن ما فضل من قيمة الرهن وان كانت قيمته اقل مما يدعي فيه المرتهن احلف على الذي زعم انه له فيه ثم قاصه بما بلغ الرهن ثم احلف الذي عليه الحق على الفضل الذي بقي للمدعى عليه بعد مبلغ ثمن الرهن وذلك ان الذي بيده الرهن صار مدعيا على الراهن فان حلف بطل عنه بقية ما حلف عليه المرتهن مما ادعى فوق قيمة الرهن وان نكل لزمه ما بقي من حق المرتهن بعد قيمة الرهن قال ابو عمر هذا كله من قوله مكررا والمعنى لا خفاء فيه على من له ادنى فهم ولا مدخل فيه للكلام عليه الا مكررا معادا لانه قد مضى معنى ما ذهب إليه مالك وغيره من العلماء في ذلك واضحا غير مشكل على كل متامل والحمد لله كثيرا‏.‏

باب القضاء في كراء الدابة والتعدي بها

1403- قال مالك الامر عندنا في الرجل يستكري الدابة إلى المكان المسمى ثم يتعدى ذلك المكان ويتقدم ان رب الدابة يخير فان احب ان ياخذ كراء دابته إلى المكان الذي تعدي بها إليه اعطي ذلك ويقبض دابته وله الكراء الاول وان احب رب الدابة فله قيمة دابته من المكان الذي تعدى منه المستكري وله الكراء الاول ان كان استكرى الدابة البداة فان كان استكراها ذاهبا وراجعا ثم تعدى حين بلغ البلد الذي استكرى إليه فانما لرب الدابة نصف الكراء الاول وذلك ان الكراء نصفه في البداءة ونصفه في الرجعة فتعدى المتعدي بالدابة ولم يجب عليه الا نصف الكراء الاول ولو ان الدابة هلكت حين بلغ بها البلد الذي استكرى إليه لم يكن على المستكري ضمان ولم يكن للمكري الا نصف الكراء قال وعلى ذلك امر اهل التعدي والخلاف لما اخذوا الدابة عليه ثم ذكر مسالة في المقارض يخالف فيشتري غير ما امره به صاحب المال ليكون له الربح كله ويضمن راس المال والمبضع معه يخالف رب البضاعة فيما امره به ويتعدى ليضمن البضاعة وياخذ ربحها فان رب المال في الوجهين جميعا يخير بين ان يضمنه وبين ان يجيز فعله ويكون على شرطه وقد تقدم ذكر ذلك كله في كتاب القراض واما تعدي المكتري بالدابة فان اكثر اهل العلم خالفوا مالكا في ذلك ولم يجعلوه من باب العامل في القراض ولا المبضع معه يخالفان ما امرا به في ذلك واما الشافعي فقال عنه المزني ولو اكتري دابة من مكة إلى مر فتعدى بها إلى عسفان فعليه كراؤها إلى مر وكراء مثلها إلى عسفان وعليه الضمان يعني - ان عطبت وقال احمد بن حنبل من اكترى دابة إلى موضع فجاوز فعليه الاجرة المذكورة واجرة المثل لما جاوز وان تلفت فعليه ايضا قيمتها ذكره المزني في مختصره على مذهب احمد وهذا كقول الشافعي سواء وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد فيما ذكر الطحاوي عنهم من اكترى دابة إلى مكان فجاوز بها إلى مكان اخر كان ضامنا لها ساعة جاوز بها وكان عليه الاجرة ولا شيء عليه في مجاوزته بها بعد سلامتها وان عطبت في مجاوزته بها كان عليه ضمان قيمتها ساعة تجاوز بها قال ابو عمر مذهبهم انه اذا جاوز بها كانت في ضمانه ان سلمت او عطبت فليس عليه اجرة لما هو ضامن له وهذا خلاف ظاهر القران وظاهر السنة قال الله عز وجل ‏(‏لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل‏)‏ ‏[‏البقرة 188‏]‏‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه‏)‏ والمتعدي بالدابة اذا تجاوز بها الموضع الذي اكتراها إليه فقد وجب لصاحبها عليه اجرة مثلها في ذلك فان لم يردها إليه كان قد اكل ماله باطلا بغير طيب نفسه ومن لم يوجب على المكتري كراء ما تعدى فيه بها فقد اعطاه مال غيره بغير طيب نفس منه وليس اعتلاله برايه انها صارت في ضمانه بشيء لان الله تعالى لم يجعل الدابة اذا سلمت في ضمان المتعدي بها ولا رسوله ولا اتفق الجميع عليه بل الجمهور يقولون اذا اسلمت فلا ضمان على المكتري فيها وانما عليه كراء المسافة التي تعدى عليها وقد تناقض ابو حنيفة فقال فيمن تعدى في بضاعة ابضعت معه فتجر فيها انه ليس له الربح وعليه ان يتصدق به وكذلك الغاصب وسنذكر هذه المسالة في موضعها من هذا الكتاب ان شاء الله‏.‏

باب القضاء في المستكرهة من النساء

1404- مالك عن بن شهاب ان عبد الملك بن مروان قضى في امراة اصيبت مستكرهة بصداقها على من فعل ذلك بها قال يحيى سمعت مالكا يقول الامر عندنا في الرجل يغتصب المراة بكرا كانت او ثيبا انها ان كانت حرة فعليه صداق مثلها وان كانت امة فعليه ما نقص من ثمنها والعقوبة في ذلك على المغتصب ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله وان كان المغتصب عبدا فذلك على سيده الا ان يشاء ان يسلمه قال ابو عمر قوله والعقوبة في ذلك على المغتصب قد رواه القعنبي كما رواه يحيى ولم يروه بن بكير ولا بن القاسم ولا مطرف ورووا كلهم ولا عقوبة في ذلك على المغتصبة الا القعنبي فلم يروه وقد اجمع العلماء على ان على المستكره المغتصب الحد ان شهدت البينة عليه بما يوجب الحد او اقر بذلك فان لم يكن فعليه العقوبة ولا عقوبة عليها اذا صح انه استكرهها وغلبها على نفسها وذلك يعلم بصراخها واستغاثتها وصياحها وأن كانت بكرا فيما يظهر من دمها ونحوها مما يفصح به امرها فان لم يكن شيء من ذلك وظهر بها حمل وقالت استكرهت فقد اختلف العلماء في ذلك ونذكره عند قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - او كان الحمل والاعتراف في كتاب الرجم - ان شاء الله تعالى ولا نعلم خلافا بين العلماء ان المستكرهة لا حد عليها اذا صح استكراهها بما ذكرنا وشبهه حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني معمر بن سليمان الزيني عن حجاج عن عبد الجبار بن وائل عن ابيه قال استكرهت امراة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فدرا عنها الحد وعن ابي بكر وعمر والخلفاء وفقهاء الحجاز والعراق مثل ذلك واختلف الفقهاء في وجوب الصداق على المغتصب فقال مالك والليث والشافعي عليه الصداق والحد جميعا وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد وسفيان الثوري عليه الحد ولا مهر عليه وهو قول بن شبرمة لا يجتمع عندهم صداق وحد قال ابو عمر هذا على مذاهبهم في السارق انه اذا قطع لم يجب عليه غرم ومسالة السارق مختلف فيها ايضا والصحيح في المسالتين وجوب الصداق ووجوب الغرم لان حد الله تعالى لا يسقط به حق الادمي وهما حقان واجبان اوجبهما الله تعالى ورسوله فلا يضر اجتماعهما ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال اخبرني بن شهاب في بكر افتضت بصداق مثلها من النساء قال قضى بذلك عبد الملك بن مروان قال واخبرنا بن جريج قال قلت لعطاء البكر تستكره قال لها مثل صداق نسائها قال واية ذلك ان تصيح او ان يوجد بها اثر قال اخبرنا معمر عن الزهري قال من استكره امراة بكرا فلها صداقها وعليه الحد ولا حد عليها قال معمر وقال قتادة مثل ذلك قال واية البكر تستكره ان تصيح قال والثيب في ذلك مثل البكر وذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني هشيم عن ابي حرة عن الحسن قال استكره عبد امراة فوطئها فاختصما إلى الحسن وهو قاض يومئذ فضربه الحد وقضى بالعبد للمراة قال ابو عمر اسلمه سيده بجنايته والله اعلم وقد تقدم القول بما قاله ابو حنيفة وطائفة من علماء الكوفة ذكر ابو بكر قال حدثني شبابة بن سوار عن شعبة قال سالت الحكم وحمادا عن مملوك انتزع جارية فقالا عليه الحد وليس عليه صداق‏.‏

باب القضاء في استهلاك الحيوان والطعام وغيره

1404- قال مالك الامر عندنا فيمن استهلك شيئا من الحيوان بغير اذن صاحبه ان عليه قيمته يوم استهلكه ليس عليه ان يؤخذ بمثله من الحيوان ولا يكون له ان يعطي صاحبه فيما استهلك شيئا من الحيوان ولكن عليه قيمته يوم استهلكه القيمة اعدل ذلك فيما بينهما في الحيوان والعروض قال وسمعت مالكا يقول فيمن استهلك شيئا من الطعام بغير اذن صاحبه فانما يرد على صاحبه مثل طعامه بمكيلته من صنفه وانما الطعام بمنزلة الذهب والفضة انما يرد من الذهب الذهب ومن الفضة الفضة وليس الحيوان بمنزلة الذهب في ذلك فرق بين السنة والعمل المعمول به قال ابو عمر اجمع العلماء لا خلاف بينهم فيما علمت ان من استهلك ذهبا او ورقا او طعاما مكيلا او موزونا انه عليه مثل ما استهلك من صنفه بوزنه وكيله على ظاهر قول الله عز وجل ‏(‏وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‏)‏ ‏[‏النحل 126‏]‏‏.‏

واختلفوا فيمن استهلك شيئا من الحيوان فقال منهم قائلون لا يقضى بالقيمة في شيء من الاشياء الا عند عدم المثل وممن قال ذلك الشافعي وابو حنيفة وداود واصحابهم وحجتهم قول الله عز وجل ‏(‏وان عاقبتم‏)‏ الاية ومن الاثر ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثنا ابو داود قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني خالد قال ابو داود‏.‏

وحدثني مسدد قال حدثني يحيى جميعا عن حميد عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فارسلت احدى امهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام قال فضربت بيدها فكسرت القصعة قال بن المثنى في حديثه فاخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم احداهما إلى الاخرى فجعل يجمع فيها الطعام ويقول غارت امكم كلوا فاكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها زاد بن المثنى ‏(‏كلوا‏)‏ فاكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها - ثم رجع إلى لفظ حديث مسدد وقال ‏(‏كلوا‏)‏ وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته قال ابو داود‏.‏

وحدثني مسدد قال حدثني يحيى عن سفيان الثوري قال حدثني فليت العامري قال ابو داود وهو افلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة قالت قالت عائشة ما رايت صانعا طعاما مثل صفية صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فبعث به فاخذني افكل فكسرت الاناء فقلت يا رسول الله ‏!‏ ما كفارة ما صنعت قال ‏(‏اناء مثل اناء وطعام مثل طعام‏)‏ واحتج بهذا كل من قال بالمثل في العروض وغيرها لانه ضمن القصعة بقصعة مثلها كما ضمن الطعام بطعام مثله‏.‏

وقال مالك ومن تابعه لا يقضى في الحيوان من العروض وغيره الا بالقيمة وحجتهم حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى فيمن اعتق شركا له في عبد بقيمة حصة شريكه دون حصته من عبد مثله قال ابو عمر المثل لا يوصل إليه الا بالاجتهاد وكما ان القيمة تدرك بالاجتهاد وقيمة العدل في الحقيقة مثل وقد قال العراقيون في قول الله عز وجل ‏(‏فجزاء مثل ما قتل من النعم‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏‏.‏

ان القيمة مثل في هذا الموضع فتناقضوا والحديث في القضاء بالقيمة في الشقص من العبد اصح من حديث القصعة فهو اولى ان يمتثل ويعمل والله اعلم قال يحيى وسمعت مالكا يقول اذا استودع الرجل مالا فابتاع به لنفسه وربح فيه فان ذلك الربح له لانه ضامن للمال حتى يؤديه إلى صاحبه قال ابو عمر اختلف العلماء في هذه المسالة فكان ربيعة بن ابي عبد الرحمن ومالك بن انس والليث بن سعد وابو يوسف القاضي يقولون اذا رد المال طاب له الربح غاصبا كان المال او مستودعا عنده مستعديا فيه وكان ابو حنيفة وزفر ومحمد بن الحسن يقولون يؤدي المال ويتصدق بالربح كله ولا يطيب له بشيء منه وقال الاوزاعي الذي هو اسلم له ان يتصدق بالربح وقال بن خواز بنداد من اشترى بدراهم مغصوبة فربح كان الربح له ويستحب له فيما بينه وبين الله تعالى ان يتنزه عنه ويتصدق به‏.‏

وقال الشافعي ان كان اشترى بالمال بعينه فالسلعة والربح لرب المال وحكى الربيع عن الشافعي قال اذا اشترى الغاصب السلعة بمال بغير عينه ثم نفد المال المغصوب او مال الوديعة بغير اذن ربها فالربح له وهو ضامن لما استهلك خاصة من مال غيره وان اشتراه بالمال بعينه فرب المال بالخيار بين اخذ المال والسلعة قال الربيع وله فيها قول اخر ان البيع فاسد اذا اشترى بالمال المغصوب بعينه وروي عن ابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعطاء بن ابي رباح مثل قول مالك وروي عن مجاهد انه يتصدق بالربح مثل قول ابي حنيفة وقالت طائفة الربح على كل حال لرب المال وروي ذلك عن ابي حنيفة وقالت طائفة الربح على كل حال لرب المال وروي ذلك عن عبد الله بن عمر حدثني خلف بن قاسم قال حدثني يعقوب المارودي قال حدثني يوسف بن يعقوب القاضي قال حدثني ابو الربيع الزهراني قال حدثني هشيم عن داود بن ابي هند عن رباح بن عبيدة عن بن عمر انه سئل عن رجل استبضع بضاعة فخالف فيها فقال بن عمر هو ضامن فان ربح فالربح لرب المال قال ابو عمر لم يجعل بن عمر - رضي الله عنه - العمل معنى يوجب به استحقاق ربح ولا غيره وقد روي عن عمر - رضي الله عنه - ما يدل على ان الربح له بالضمان رواه مالك عن زيد بن اسلم عن ابيه ان عبد الله وعبيد الله ابني عمر قفلا من غزوة فمرا بابي موسى فاسلفهما من بيت المال فاشتريا به متاعا فحملاه إلى المدينة فربحا فيه قال عمر اديا المال وربحه فقال عبيد الله ما ينبغي لك هذا لو هلك المال ونقص ضمناه وسكت عبد الله فاعاد القول عمر عليهما فراجعه عبيد الله فقال له رجل لو جعلته قراضا يا امير المؤمنين قال فاخذ عمر راس المال ونصف الربح فلم ينكر عمر على ابنه عبيد الله قوله لو هلك المال او نقص ضمناه يعني فلذلك طاب لنا ربحه ودل على ما ذهب إليه مالك ومن قال بقوله ويحتمل بان يكون فعل ذلك عقوبة لهما لانفرادهما دون سائر المسلمين لمال من بيت المال فشاطرهما في ذلك كما فعل بعماله اذ شاطرهم اموالهم والله المستعان‏.‏

باب القضاء فيمن ارتد عن الاسلام

1407- مالك عن زيد بن اسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من غير دينه فاضربوا عنقه‏)‏ هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة ‏(‏الموطا‏)‏ عن مالك مرسلا وقد روي فيه عن مالك اسناد منكر عن نافع عن بن عمر لا يصح به والصحيح فيه حديث بن عباس رواه حماد بن زيد وبن علية عن ايوب عن عكرمة عن بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من بدل دينه فاقتلوه‏)‏ وظاهر هذا الحديث يوجب على كل حال من غير دين الاسلام او بدله فليقتل ويضرب عنقه الا ان الصحابة قالوا انه يستتاب فان تاب والا قتل فكان الحديث عندهم خرج على من بدل دينه وتمادى على ذلك ولم يصرف عنه كما خرج ايضا على دين الاسلام دون غيره قال مالك ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله اعلم من غير دينه فاضربوا عنقه انه من خرج من الاسلام إلى غيره مثل الزنادقة واشباههم فان اولئك اذا ظهر عليهم قتلوا ولم يستتابوا لانه لا تعرف توبتهم وانهم كانوا يسرون الكفر ويعلنون الاسلام فلا ارى ان يستتاب هؤلاء ولا يقبل منهم قولهم واما من خرج من الاسلام إلى غيره واظهر ذلك فانه يستتاب فان تاب والا قتل وذلك لو ان قوما كانوا على ذلك رايت ان يدعوا إلى الاسلام ويستتابوا فان تابوا قبل ذلك منهم وان لم يتوبوا قتلوا ولم يعن بذلك فيما نرى والله اعلم من خرج من اليهودية إلى النصرانية ولا من النصرانية إلى اليهودية ولا من يغير دينه من اهل الاديان كلها الا الاسلام فمن خرج من الاسلام إلى غيره واظهر ذلك فذلك الذي عني به والله اعلم قال ابو عمر على هذا جماعة العلماء فيمن خرج من دين اليهودية إلى النصرانية او من النصرانية إلى اليهودية او المجوسية انه لا يقتل ان كان ذميا وله ذمته لان النصرانية واليهودية والمجوسية اديان قد جاء القران والسنة بان يقر اهلها ذمة اذا بذلوا الجزية واعطوها للمسلمين على ذلك لا خلاف بين العلماء فيما وصفنا الا ان الشافعي قال اذا كان المبدل لدينه من اهل الذمة كان للامام ان يخرجه من بلده ويلحقه بارض الحرب وجاز له استحلال ماله مع اموال الحربيين ان غلب على الدار لانه انما جعل له الذمة على الدين الذي كان عليه في حين عقد العهد له هكذا حكاه المزني وغيره من اصحابه عنه وهو المعروف من مذهبه وحكى عنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ان الذمي اذا خرج من دين إلى دين كان للامام قتله بظاهر الحديث ‏(‏من بدل دينه فاقتلوه‏)‏ والمشهور عن الشافعي ما قدمنا ذكره من رواية المزني والربيع عنه قال ابو عمر ووجه رواية محمد عنه ان الذمي قبل ان تعقد له الذمة حلال الدم ثم صارت له الذمة بما عقد له الامام من العهد على ان يقره على ذلك الدين اذا بذل الجزية فلما خرج عن الدين الذي عقدت له الذمة عليه عاد حكمه إلى حكم الحربي فجاز قتله وهذا وجه محتمل والله اعلم واختلف الصحابة ومن بعدهم - رضي الله عنهم - في استتابة المرتد فقال بعضهم يستتاب مرة واحدة في وقت واحد ساعة واحدة فان تاب وانصرف إلى الاسلام والا قتل وقال اخرون يستتاب شهرا وقال اخرون يستتاب ثلاثة ايام على ما روي عن عمر وعثمان وعلي وبن مسعود - رحمه الله عليهم ولم يستتب بن مسعود بن النواحة وحده لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ جاءه من عند مسيلمة ‏(‏لولا انك رسول لقتلتك‏)‏ فقال له بن مسعود إذ اظهرت الردة انت اليوم لست برسول فقتله واستتاب غيره‏.‏

1408- وروى مالك في هذا الباب من ‏(‏الموطا‏)‏ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ عن ابيه انه قال قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل ابي موسى الاشعري فساله عن الناس فاخبره ثم قال له عمر هل كان فيكم من مغربة خبر فقال نعم رجل كفر بعد اسلامه قال فما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه فقال عمر افلا حبستموه ثلاثا واطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع امر الله ثم قال عمر اللهم اني لم احضر ولم ارض إذ بلغني‏.‏

وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن ابي العقيب قال حدثني ابو زرعة قال حدثني احمد بن خالد قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ عن ابيه قال قدم وفد اهل البصرة على عمر فاخبروه بفتح تستر فحمد الله ثم قال هل حدث فيكم حدث فقالوا لا والله يا امير المؤمنين الا رجل ارتد عن دينه فقتلناه قال ويلكم اعجزتم ان تطينوا عليه بيتا ثلاثا ثم تلقوا إليه كل يوم رغيفا فان تاب قبلتم منه وان اقام كنتم قد اعذرتم إليه اللهم اني لم اشهد ولم امر ولم ارض اذ بلغني ورواه بن عيينة فقال فيه عن محمد بن عبد الرحمن عن ابيه وقول مالك وبن إسحاق الصواب ان شاء الله تعالى وروى داود بن ابي هند عن الشعبي عن انس بن مالك ان نفرا من بكر بن وائل ارتدوا عن الاسلام يوم تستر فلحقوا بالمشركين فلما فتحت قتلوا في القتال قال فاتيت عمر بفتحها فقال ما فعل النفر من بكر بن وائل فعرضت عن حديثه لاشغله عن ذكرهم فقال لا ما فعل النفر من بكر بن وائل فقلت قتلوا قال لان اكون كنت اخذتهم سلما احب الي مما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء قلت وهل كان سبيلهم الا القتل ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين قال كنت اعرض عليهم ان يدخلوا في الباب الذي خرجوا منه فان قبلوا قبلت منهم والا استودعتهم السجن قال ابو عمر يعني استودعتهم السجن حتى يتوبوا فان لم يتوبوا قتلوا هذا لا يجوز غيره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من بدل دينه فاضربوا عنقه‏)‏ وروى عبادة عن العلاء أبي محمد ان عليا - رضي الله عنه - اخذ رجلا من بكر بن وائل تنصر بعد الاسلام فعرض عليه الاسلام شهرا فابى فامر بقتله وذكر ابو بكر قال حدثني حفص بن غياث عن اشعث عن الشعبي قال قال علي يستتاب المرتد ثلاثا فان عاد قتل وروى ابو معاوية عن الاعمش عن ابي عمرو الشيباني ان عليا اتى بالمستورد العجلي وقد ارتد عن الاسلام فاستتابه فابى ان يتوب فقتله وقد ذكرنا في ‏(‏التمهيد‏)‏ من هذه الاثار كثيرا ولا اعلم بين الصحابة خلافا في استتابة المرتد فكانهم فهموا من قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏من بدل دينه فاقتلوه‏)‏ أي بعد ان يستتاب والله اعلم الا حديث معاذ مع ابي موسى فان ظاهره القتل دون استتابة وقد قيل ان ذلك المرتد قد كان استتيب رواه يحيى القطان وغيره عن قرة بن خالد عن حميد بن هلال عن ابي بردة عن ابي موسى الاشعري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على اليمن ثم اتبعه معاذ بن جبل فوجد عنده رجلا مقيدا بالحديد فقال ما شأن هذا فقال كان يهوديا فاسلم وارتد وراجع دينه دين السوء فقال معاذ لا انزل حتى يقتل قضاء الله ورسوله وروي هذا الحديث من وجوه عن ابي موسى الا ان بعضهم قال فيه قد كان استتيب قبل ذلك اياما ذكر ابو بكر قال حدثني عباد بن العوام عن سعيد عن قتادة عن حميد بن هلال ان معاذا لما اتى ابا موسى وعنده رجل يهودي فقال ما هذا قال يهودي اسلم ثم ارتد وقد استتابه ابو موسى شهرين فقال معاذ لا اجلس حتى اضرب عنقه واحتج من لم ير الاستتابة بحديث معاذ هذا واحتجوا ايضا بان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر يوم فتح مكة بقتل قوم ارتدوا عن الاسلام منهم عبد الله بن خطل وعبد الله بن سعد بن ابي سرح العامري مع ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من بدل دينه فاقتلوه‏)‏ وذكر سحنون ان عبد العزيز بن ابي سلمة كان يقول يقتل المرتد ولا يستتاب ويحتج بحديث معاذ مع ابي موسى وقال الليث بن سعد وطائفة معه لا يستتاب من ولد في الاسلام ثم ارتد اذا شهد عليه ولكنه يقتل تاب من ذلك او لم يتب اذا قامت البينة العادلة واختلفوا عن الحسن البصري فروي عنه انه قال يقتل دون استتابه وروي عنه انه قال يستتاب مئة مرة قال ابو عمر من راى قتله بالاستتابة جعله حدا من الحدود ولم يقبل فيه توبته وقال توبته بينه وبين الله في اخرته وراى ان حده اذا بدل دينه القتل وروى بن القاسم وغيره عن مالك قال يعرض على المرتد الاسلام ثلاثا فان اسلم والا قتل قال وان ارتد سواء قتل ولم يستتب كما تقتل الزنادقة قال وانما يستتاب من اظهر دينه الذي ارتد إليه قال مالك يقتل الزنادقة ولا يستتابون قال والقدرية يستتابون يقال لهم اتركوا ما انتم عليه فان تابوا والا قتلوا وقال بن وهب عن مالك ليس في استتابة المرتد امر من جماعة الناس‏.‏

وقال الشافعي يستتاب المرتد ظاهرا والزنديق جميعا فمن لم يتب منهما قتل وفي الاستتابة ثلاثا قولان احدهما حديث عمر والاخر انه لا يؤخر لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يامر فيه باناة وهذا ظاهر الخبر قال الشافعي ولو شهد عليه شاهدان بالردة قتل فان اقر بان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويبرا من كل دين خالف الاسلام لم يكشف عن غيره والمشهور من مذهب ابي حنيفة واصحابه ان المرتد لا يقتل حتى يستتاب وهو قول بن علية قالوا ومن قتله قبل ان يستتاب فقد اساء ولا ضمان عليه وروى محمد بن الحسن في ‏(‏السير‏)‏ عن ابي يوسف عن ابي حنيفة ان المرتد يعرض عليه الاسلام فان اسلم والا قتل مكانه الا ان يطلب ان يؤجل فان طلب ذلك اجل ثلاثة ايام والزنديق عندهم مثل المرتد سواء الا ان ابا يوسف لما راى ما يصنع الزنادقة وانهم يرجعون بعد الاستتابة قال ارى ان اتيت بزنديق ان اضرب عنقه ولا استتيبه فان تاب قبل ان اقتله لم اقتله وخليته قال ابو عمر روي عن علي - رضي الله عنه - انه قال المرتد يستتاب فان تاب قبل منه ثم ان ارتد يستتاب فان تاب قبل منه ثم ان ارتد يستتاب فان تاب قبل منه فان ارتد بعد الثلاث قتل ولم يستتب وقالت به طائفة من العلماء ونزع بعضهم بقول الله عز وجل ‏(‏ان الذين امنوا ثم كفروا ثم امنوا ثم كفروا‏)‏ الاية ‏[‏النساء 137‏]‏‏.‏

قال ابو عمر راى مالك وحده من بين سائر الفقهاء استتابة اهل القدر وسائر اهل الاهواء وسنذكر ذلك في موضعه من كتاب الجامع ان شاء الله ‏(‏عز وجل‏)‏ وقد مضى في كتاب الفرائض ميراث المرتد واختلاف العلماء فيه واما حكم فراقة لنسائه وسراريه وامائه وسائر ماله وحكم اولاده الصغار وهل يجب عليه قضاء صلاة وحج وزكاة اذا تاب فليس هذا الباب بموضع ذكر ذلك‏.‏

باب القضاء فيمن وجد مع امراته رجلا

1409- مالك عن سهيل بن ابي صالح السمان عن ابيه عن ابي هريرة ان سعد بن عبادة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرايت ان وجدت مع امراتي رجلا اامهله حتى اتي باربعة شهداء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏نعم‏)‏ زعم ابو بكر البزار ان مالكا - رحمه الله - انفرد بهذا الحديث وليس كما زعم لانه قد رواه سليمان بن بلال والدراوردي كما رواه مالك عن سهيل عن ابيه عن ابي هريرة وفيه الفاظ زائدة قد ذكرتها في ‏(‏التمهيد واظن البزار لما راى حماد بن سلمة قد ارسله ظن ان مالكا وحده ارسله فغلط في ظنه وفي هذا الحديث من الفقه النهي عن اقامة حد بغير سلطان وبغير شهود وقطع الذريعة إلى سفك دم مسلم بدعوى يدعيها عليه من يريد ان يبيح دمه ولا يعلم ذلك الا بقوله والله عز وجل قد عظم دم المسلم وعظم الاثم فيه فلا يحل الا بما اباحه الله وذلك إلى السلطان دون غيره ليمتثل فيه ما امره الله به في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقد اردف مالك هذا الحديث بقول علي - رضي الله عنه - فانه قد اوضح الحكم فيه‏.‏

1410- مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ان رجلا من اهل الشام يقال له بن خيبرين وجد مع امراته رجلا فقتله او قتلهما معا فاشكل على معاوية بن ابي سفيان القضاء فيه فكتب إلى ابي موسى الاشعري يسأل له علي بن ابي طالب عن ذلك فسال ابو موسى عن ذلك علي بن ابي طالب فقال له علي ان هذا الشيء ما هو بارضي عزمت عليك لتخبرني فقال له ابو موسى كتب الي معاوية بن ابي سفيان ان أسالك عن ذلك فقال علي انا ابو حسن ان لم يات باربعة شهداء فليعط برمته رواه بن جريج ومعمر والثوري عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب مثله قال ابو عمر معناه عنده ‏(‏فليسلمه برمته إلى اولياء القتيل يقتلونه وقيل يسلم اليهم بحبل في عنقه للقصاص ان لم يقم اربعة شهدوا عليه بالزنى الموجب للرجم وقد روي عن عمر في ذلك شيء لا يصح عنه قد ذكرته في ‏(‏التمهيد‏)‏ واوضحته وعلى قول علي - رضي الله عنه - جماعة فقهاء الامصار واهل الراي والاثار والحمد لله كثيرا ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال سال رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل يجد مع امراته رجلا ايقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا الا بالبينة‏)‏ ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني عبدة بن عاصم عن الحسن قال ‏(‏الحدود إلى السلطان‏)‏ وذكر عن بن محيريز وعطاء الخرساني وعمر بن عبد العزيز مثله وهو ما لا خلاف فيه واما خبر الشعبي في الذي اشرف على زوجة اخيه وهو غائب ومعها على فراشها رجل يتغنى‏:‏

واشعث غره الاسلام منا *** خلوت بعرسه ليل التمام

يبيت على حسائها ويمسي على *** وهماء لاحقة الحزام

كان مواضع الربلات منها *** نعام قد جمعن إلى نعام

هكذا ذكره وكيع عن ابي عاصم عن الشعبي وذكره عبد الرزاق عن بن جريج فذكر فيه لهوت بعرسه وقال في البيت الثاني‏:‏

ابيت على ترائبها ويطوي *** على حمراء مائلة الحزام

كان مجامع الربلات منها *** قيام يرجعون إلى قيام

وهذان الخبران منقطعان وليس في شيء منهما شهادة قاطعة بمعاينة قتل ولا اقرار به ولا حجة فيه الا في ايجاب العقوبة الموجعة على من اقر بمثل ذلك وجحد الجماع وبالله التوفيق لا شريك له‏.‏

باب القضاء في المنبوذ

1411- مالك عن بن شهاب عن سنين ابي جميلة رجل من بني سليم انه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب قال فجئت به إلى عمر بن الخطاب فقال ما حملك على اخذ هذه النسمة فقال وجدتها ضائعة فاخذتها فقال له عريفه يا امير المؤمنين انه رجل صالح فقال له عمر اكذلك قال نعم فقال عمر بن الخطاب اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته قال يحيى سمعت مالكا يقول الامر عندنا في المنبوذ انه حر وان ولاءه للمسلمين هم يرنونه ويعقلون عنه قال ابو عمر انما انكر عمر على سنين ابي جميلة اخذ المنبوذ لانه ظن والله اعلم انه يريد ان يفرض له وكان عمر يفرض للمنبوذ فظن انه اخذه ليلي امره وياخذ ما يفرض له فيصلح فيه ما شاء فلما قال له عريفة انه رجل صالح ترك ظنه واخبره بالحكم عنده فيه بانه حر ولا ولاء لاحد عليه لان الاحرار لا ولاء عليهم وقوله وعلينا نفقته يعني ان رضاعه ونفقته في بيت المال وانما جعله حرا والله اعلم لان لا يقول احد في عبد له يولد عنده فيطرحه ثم ياخذه ويقول وجدته منبوذا ليفرض له ما اختلف الفقهاء واختلف الفقهاء في المنبوذ تشهد البينة انه عبد فقالت طائفة من اهل المدينة لا يقبل قولها في ذلك والى هذا ذهب اشهب لقول عمر ‏(‏هو حر‏)‏ ومن قضى بحديثه لم يقبل البينة في انه عبد وقال بن القاسم تقبل البينة في ذلك وهو قول الشافعي والكوفيين واختلفوا في اقراره اذا بلغ فاقر بانه عبد‏.‏

وقال مالك لا يقبل اقراره انه عبد لانه ليس له ان يرق نفسه ولم يختلف في ذلك اصحاب مالك وقال ابو حنيفة والشافعي واصحابهم يقبل اقراره بانه عبد اذا كان بالغا قالوا واقراره بالرق اقوى من شهادة الشهود قالوا وما يقبل فيه البينة يقبل فيه اقراره واختلفوا في اللقيط في قرية فيها يهود ونصارى ومسلمون وقال بن القاسم يجعل على دين اكثرهم عددا وان وجد عليه زي اليهود فهو يهودي وان وجد عليه زي النصارى فهو نصراني والا فهو مسلم الا ان يكون اكثر اهل القرية على غير الاسلام وقال اشهب هو مسلم ابدا لاني اجعله مسلما على كل حال كما اجعله حرا على كل حال واختلفوا في قبول دعوى من ادعاه ابنا له فقال اشهب تقبل دعواه الا ان يبين كذبه وقال بن القاسم لا تقبل دعواه الا ان يبين صدقه واما اختلاف اهل العلم في ولاء اللقيط فذهب مالك والشافعي وجماعة من اهل الحجاز ان اللقيط حر لا ولاء لاحد عليه وتاولوا في قول عمر ‏(‏لك ولاؤه‏)‏ أي لك ان تليه وتقبض عطاءه وتكون اولى الناس بامره حتى يبلغ رشده ويحسن النظر لنفسه فان مات كان ميراثه لجماعة المسلمين وعقله عليهم واحتج الشافعي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏انما الولاء لمن اعتق‏)‏ قال جمع بينهما الولاء عن غير المعتق واتفق مالك والشافعي واصحابهما على ان اللقيط لا يوالي احدا ولا يرثه احد بالولاء وهو قول الحسن البصري ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني عبد الاعلى عن هشام عن الحسن قال جريرته في بيت المال وعقله لهم وميراثه عليهم‏.‏

وقال أبو حنيفة واصحابه واكثر الكوفيين اللقيط يوالي من شاء فمن والاه فهو يرثه ويعقل عنه وعند ابي حنيفة له ان ينتقل بولائه حيث شاء ما لم يعقل عنه الذي والاه فان عقل عنه جناية لم يكن له ان ينتقل عنه بولائه ابدا قال ابو عمر ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن ابيه قال قال علي - رضي الله عنه - المنبوذ حر فان احب ان يوالي الذي التقطه والاه وان احب ان يوالي غيره والاه وذكر ابو بكر قال حدثني عمر بن هارون عن بن جريج عن عطاء قال الساقط يوالي من شاء وهو قول بن شهاب وطائفة من اهل المدينة وقال حدثني حماد بن خالد عن بن ابي ذئب عن الزهري ان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - اعطى ميراث المنبوذ للذي كفله قال ابو بكر‏.‏

وحدثني عبد السلام بن حرب عن مغيرة عن ابراهيم قال ميراث اللقيط بمنزلة اللقطة قال واخبرني عبد الاعلى عن معمر عن الزهري قال اذا والى رجل رجلا فله ميراثه وعليه عقله قال ابو عمر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث واثلة بن الاسقع انه قال ‏(‏ترث المراة عتيقها ولقيطها وابنها الذي لاعنت عليه‏)‏ وهو حديث ليس بالقوي انفرد به عمر بن روبة وهو شامي ضعيف وقد روى سفيان بن عيينة حديث مالك هذا المذكور في هذا الباب عن الزهري عن سنين ابي جميلة بالفاظ اتم من الفاظ حد يث مالك حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن عمر قال حدثني سفيان عن الزهري قال سمعت سنينا ابا جميلة يحدث سعيد بن المسيب قال وجدت منبوذا على عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فذكره عريفي لعمر فارسل الي فجئت والعريف عنده فلما راني مقبلا قال ‏(‏عسى الغوير ابوسا‏)‏ كانه اتهمه فقال له عريفي يا امير المؤمنين ‏!‏ انه غير متهم به فقال عمر علام أخذت هذه التسمية قلت وجدت نفسا بمضيعة فاحببت ان ياخذني الله عليها فقال عمر هو حر ولك ولاؤه وعلينا رضاعة قال ابو عمر ذكر ابو عبيد القاسم بن سلام هذا الخبر في كتاب ‏(‏غريب الحديث‏)‏ لقول عمر - رضي الله عنه - فيه ‏(‏عسى الغوير ابوسا‏)‏ وذكر انه مثل تتمثل به العرب اذا خافت شرا او توقعته وظنته هذا معنى كلامه وذكر في اصل المثل عن الاصمعي وعن بن الكلبي خبرين مختلفين ‏(‏احدهما‏)‏ عن بن الكلبي ان اول من تكلم بهذا المثل الزباء اذ بعثت قصيرا اللخمي وكان يطلبها بدم جذيمة الابرش فكادها وخبا لها الرجال في صناديق او غرائر فلما احست بذلك قالت ‏(‏ عسى الغوير ابوسا‏)‏ قال والغوير ماء لكلب موضع معروف في جهة السماوة وذكر عن الاصمعي انه غار اصيب فيه قوم قد انهار عليهم وقتلوا فيه والغوير تصغير غار والابؤس جمع الباس فصار هذا الكلام مثلا لكل شيء يخاف بان ياتي منه شر قال ابو عبيد وقول بن الكلبي عندي اشبه بالصواب قال ابو عمر تلخيص ما نزع به عمر - رضي الله عنه - في قوله ‏(‏عسى الغوير‏)‏ انه لما راى ابا جميلة مقبلا بالمولود المنبوذ قال ذلك المثل السائر يريد الا ياتي ملتقط المنبوذ بخير خوفا منه معنى ما تقدم ذكري له حتى اخبره عريفه انه رجل صالح لا ياتي الا بالحق فقضى فيه بما قضى وقد اوردنا في ذلك ما جاء فيه عن العلماء والحمد لله كثيرا‏.‏

باب القضاء بالحاق الولد بابيه

1412- مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم انها قالت كان عتبة بن ابي وقاص عهد إلى اخيه سعد بن ابي وقاص ان بن وليدة زمعة مني فاقبضه اليك قالت فلما كان عام الفتح اخذه سعد وقال بن اخي قد كان عهد الي فيه فقام إليه عبد بن زمعة فقال اخي وبن وليدة ابي ولد على فراشه فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد يا رسول الله بن اخي قد كان عهد الي فيه وقال عبد بن زمعة اخي وبن وليدة ابي ولد على فراشه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏هو لك يا عبد بن زمعة‏)‏ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الولد للفراش وللعاهر الحجر‏)‏ ثم قال لسودة بنت زمعة ‏(‏احتجبي منه‏)‏ لما راى من شبهه بعتبة بن ابي وقاص قالت فما راها حتى لقي الله عز وجل قال ابو عمر لم يختلف على مالك ولا على بن شهاب في هذا الحديث الا ان بعض اصحاب بن شهاب يرويه مختصرا لا يذكر فيه الا قوله عليه السلام ‏(‏الولد للفراش وللعاهر الحجر‏)‏ بهذا الاسناد عن عروة عن عائشة وعند بن شهاب ايضا عن سعيد بن المسيب وابي سلمة بن عبد الرحمن عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله ‏(‏الولد للفراش وللعاهر الحجر‏)‏ دون قصة عبد بن زمعة وسعد وكذلك رواه محمد بن زياد عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي ذلك ايضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ذلك كله في ‏(‏التمهيد‏)‏ وهو اثبت ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من اخبار الاحاد العدول واصحها قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الولد للفراش وللعاهر الحجر‏)‏ وهو ما تلقته الامة بالقبول ولم يختلفوا الا في شيء من معناه نذكره في اخر هذا الباب ان شاء الله عز وجل واما قصة عبد بن زمعة وسعد بن ابي وقاس فقد اشكل معناها على اكثر الفقهاء وتاولوا فيها تاويلات فخرج جوابها عن الاصول المجتمع عليها فمن ذلك ان الامة مجتمعة على ان احدا لا يدعي عن احد دعوى الا بتوكيل من المدعي ولم يذكر في هذا الحديث توكيل عتبة لاخيه سعد على ما ادعاه عنه باكثر من دعوى سعد لذلك وهو غير مقبول عند الجميع واما دعوى عتبة للولد من الزنى فانما ذكره سعد لانه كان في علمهم في الجاهلية وحكمهم دعوى الولد من الزنى فتكلم سعد بذلك لانهم كانوا على جاهليتهم حتى يؤمروا او ينهوا ويبين لهم حكم الله فيما تنازعوا فيه وفيما يراد منه التعبد به فكانت دعوى سعد سبب البيان من الله عز وجل - على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في ان العاهر لا يلحق به في الاسلام ولد يدعيه من الزنى وان الولد للفراش على كل حال والفراش النكاح او ملك اليمين لا غير فان لم يكن فراش وادعى احد ولدا من زنا فقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يليط اولاد الجاهلية بمن استلاطهم ويلحقهم بمن استلحقهم اذا لم يكن هناك فراش لان اكثر اهل الجاهلية كانوا كذلك واما اليوم في الاسلام بعد ان احكم الله شريعته واكمل دينه فلا يلحق ولد من زنا بمدعيه ابدا عند احد من العلماء كان هناك فراش أولم يكن حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال لما فتحت مكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قام رجل فقال ان فلانا ابني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا دعوة في الاسلام ذهب امر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الاثلب‏)‏ قالوا وما الاثلب قال ‏(‏ الحجر‏)‏ قال ابو عمر اجمع العلماء - لا خلاف بينهم فيما علمته - انه لا يلحق باحد ولد يستلحقه الا من نكاح او ملك يمين فاذا كان نكاح او ملك فالولد لاحق بصاحب الفراش على كل حال والفراش في الحرة عقد النكاح عليها مع امكان الوطء عند الاكثر والفراش في الامة عند الحجازيين اقرار سيدها بانه كان يلم بها وعند الكوفيين اقراره بالولد وسنبين ذلك في موضعه - ان شاء الله - عز وجل فلا ينتفى ولد الحرة اذا جاءت به لستة اشهر من يوم عقد النكاح الا بلعان وحكم اللعان في ذلك ما قد ذكرناه والحمد لله كثيرا وهذه الجملة كلها من حكم الله ورسوله مما نقلته الكافة ولم يختلفوا فيه الا فيما وصفت ومن ذلك ايضا مما هو خلاف الاصول المجتمع عليها ادعاء عبد بن زمعة على ابيه ولدا بقوله ‏(‏اخي وبن وليدة ابي ولد على فراشه‏)‏ ولم يات ببينة تشهد على ابيه باقراره بذلك وفي الاصول المجتمع عليها انه لا تقبل دعواه على ابيه ولا دعوى احد على غيره قال الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏ولا تكسب كل نفس الا عليها‏)‏ الانعام 164 واما قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏يا عبد بن زمعة‏)‏ فقد اختلف العلماء في معناه على ما نورده بعون الله تعالى فقالت طائفة منهم انما قال له ‏(‏هو لك‏)‏ أي هو اخوك كما ادعيت قضى في ذلك بعلمه لان زمعة بن قيس كان صهره وسودة بنت زمعة كانت زوجته صلى الله عليه وسلم فيمكن ان يكون علم ان تلك الامة كان يمسها زمعة سيدها فصارت فراشا له بذلك فالحق ولدها به لما قد علمه من فراش زمعة الا انه قضى به لاستلحاق عبد بن زمعة له وقد مضى ما للعلماء في قضاء القاضي بعلمه في صدر هذا الكتاب ومن قال بهذا لم يجز عنده ان يستلحق الاخ بحال من الاحوال وكان مالك يقول لا يستلحق احد غير الاب ولا يقضي القاضي بعلمه والكوفيون يقولون يقضي القاضي بعلمه على اختلافهم فيما علمه قبل ولاية القضاء وبعد ذلك وكلهم يقول لا يستلحق الاخ بحال وهو احد قولي الشافعي واليه ذهب المزني والبويطي وهو قول جمهور الفقهاء ان الاخ لا يستلحق وحده كان او مع اخ يخالفه وللشافعي قول اخر انه يقبل اقرار الوارث على الموروث بالنسب كما يقبل اقراره عليه بالدين اذا لم يكن له وارث غير المقر وهو قول ابراهيم النخعي وروى الربيع عنه في كتاب البويطي قال لا يجوز اقرار الاخ باخيه اذا كان ثم من يدفعه من الورثة ولا يلحق نسبه وان لم يكن ثم من يدفعه لحق نسبه واحتج بحديث عبد بن زمعة قال الربيع قال ابو يعقوب البويطي لا يجوز ذلك عندي كان من يدفعه ثم او لم يكن لانه انما يجوز اقرار الانسان على نفسه وهذا يقر على غيره وانما الحق النبي -عليه السلام- بن وليدة زمعة بابيه لمعرفته بفراشه والله اعلم قال ابو عمر المشهور من مذهب الشافعي ان الاخ لا يستلحق ولا يثبت بقوله نسب ولا يلزم المقر باخ ان يعطيه شيئا من الميراث من جهة القضاء لانه اقر له بما لم يثبت له اصله وسنذكر اصل هذه المسالة في الباب بعد هذا - ان شاء الله عز وجل وقد قال الشافعي في غير موضع من كتابه لو قبل استلحاق غير الاب كان فيه حقوق على الاب بغير اقراره ولا ببينة تشهد عليه وقال محمد بن جرير الطبري معنى قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏هو لك يا عبد بن زمعة‏)‏ أي هو عبد ملكا لانه بن وليدة ابيك وكل امة تلد من غير سيدها فولدها عبد يريد انه لما لم ينقل في الحديث اعتراف سيدها بوطئها ولا شهد بذلك عليه وكانت الاصول تدفع قبول ابنه عليه لم يبق الا القضاء بانه عبد تبع لامه وامر سودة بالاحتجاب منه لانها لم تملك منه الا شقصا وهذا ايضا من الطبري خلاف ظاهر الحديث لان فيه اخي وبن وليدة ابي ولد على فراشه فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من قوله ولكنه قول خارج محتمل على الاصول وقال الطحاوي واما قوله ‏(‏هو لك يا عبد بن زمعة‏)‏ فمعناه هو لك بيدك عليه لا انك تملكه ولكن تمنع بيدك عليه كل من سواك منه كما قال في اللقطة هي لك بيدك عليها تدفع غيرك عنها حتى يجيء صاحبها ليس على انها ملك له قال ولا يجوز ان يجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنا لزمعة ثم يامر اخته ان تحتجب منه هذا محال لا يجوز ان يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال وليس قول من قال ان ادعاء سعد في هذا الحديث كلا دعوى بشيء لان سعدا انما ادعى شيئا كان معروفا في الجاهلية من لحوق ولد الزنى بمن ادعاه قال وقد كان عمر يقضي بذلك في الاسلام - اذا لم يكن فراش - فادعى سعد وصية اخيه بما كان يحكم في الجاهلية به فكانت دعواه لاخيه كدعوى اخيه لنفسه غير ان عبد بن زمعة قابلة بدعوى توجب عتقا للمدعي على المدع عليه لان مدعيه كان يملك بعضه حين ادعى فيه ما ادعى ويعتق عليه ما كان يملك منه فكان ذلك هو الذي ابطل دعوى سعد ولما كان لعبد بن زمعة شريك فيما ادعاه وهي اخته سودة ولم يعلم منها في ذلك التصديق لمقالته الزم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد بن زمعة ما اقر به في نفسه ولم يجعل ذلك حجة على اخته اذ لم تصدقه ولم تجعله اخاها وامرها بالحجاب منه قال ابو عمر قول الطحاوي حسن كله الا قوله ‏(‏فكانت دعوى سعد لاخيه كدعوى اخيه لنفسه‏)‏ هذا ليس بشيء لانه لم يظهر في ذلك ما يصدق دعواه على اخيه ولم ينقل في الحديث ما يدل عليه وقال المزني فيحتمل تاويل هذا الحديث عندي - والله اعلم - ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم اجاب فيه على المسالة فاعلمهم بالحكم انه هكذا يكون اذا ادعى صاحب فراش وصاحب زنا الا انه قبل على عتبة قول اخيه سعد ولا على قول زمعة قول ابنه عبد بن زمعة ان اباه اولدها الولد لان كل واحد منهما اخبر عن غيره وقد اجمع المسلمون انه لا يقبل اقرار احد على غيره وفي ذلك عندي دليل على انه حكم خرج على المسالة ليعرفهم كيف الحكم في مثلها اذا نزل ولذلك قال لسودة ‏(‏احتجبي منه‏)‏ لانه حكم على المسالة وقد حكى الله - عز وجل - في كتابه العزيز مثل ذلك في قصة داود ‏(‏اذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض‏)‏ ‏[‏ص 22‏]‏‏.‏

ولم يكونا خصمين ولا كان لكل واحد منهما تسع وتسعون نعجة ولكنهم كلموه على المسالة ليعرف بها ما ارادوا فيحتمل ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم حكم في هذه القصة على المسالة وان لم يكن احد يؤنسني على هذا التاويل وكان عندي فهو صحيح والله اعلم قال المزني لم تصح دعوى سعد على اخيه ولا دعوى عبد بن زمعة على ابيه ولا اقرت سودة انه بن ابيها فيكون اخاها منعه من رؤيتها وامرها بالاحتجاب منه ولو ثبت انه اخوها ما امرها ان تحتجب منه لانه صلى الله عليه وسلم بعث بصلة الارحام وقد قال لعائشة في عمها من الرضاعة ‏(‏انه عمك فليلج عليك‏)‏ ويستحيل ان يامر زوجته ان لا تحتجب من عمها من الرضاعة ويامر زوجة له اخرى ان تحتجب من اخيها لابيها قال ويحتمل ان تكون سودة جهلت ما علمه اخوها عبد بن زمعة فسكتت قال المزني فلما لم يصح انه اخ لعدم البينة بذلك او الاقرار ممن يلزمه اقراره زاده بعدا في القلوب شبهه بعتبة امرها بالاحتجاب منه فكان جوابه صلى الله عليه وسلم على السؤال لا على تحقيق زنا عتبة بقول اخيه ولا بالولد انه لزمعة بقول ابيه بل قال الولد للفراش على قولك يا عبد بن زمعة لا على ما قال سعد ثم اخبرنا بالذي يكون اذا ثبت مثل هذا قال ابو عمر قول المزني هذا اصح في النظر واثبت في حكم الاصول من قول سائر اصحاب الشافعي القائلين انه يجوز للرجل ان يمنع امراته من رؤية اخيها وذهبوا إلى انه اخوها على كل حال لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالولد للفراش والحق بن امة زمعة بفراش زمعة قالوا وما حكم به فهو الحق لا شك فيه وكذلك قوله ‏(‏احتجبي منه‏)‏ حكم اخر يجوز به ان يمنع الرجل زوجته من رؤية اخيها وقال الكوفيون في قوله ‏(‏احتجبي منه يا سودة‏)‏ دليل على انه جعل للزنا حكما فحرم به رؤية ذلك المستلحق لاخته سودة وقال لها احتجبي منه لما راى من شبهه بعتبة فمنعها من اخيها في الحكم لانه ليس باخيها في غير الحكم لانه من زنا في الباطن اذ كان شبيها بعتبة فجعلوه كانه اجنبي لا يراها بحكم الزنى وجعلوه اخاها بالفراش وزعموا ان ما حرمه الحلال فالزنى اشد تحريما له قال ابو عمر قول من قال جعله اخاها في الحكم ولم يجعله اخاها في غير الحكم قول فاسد لا يعقل وتخليط لا يصح ولا يعقل ولا يفهم ولا يصح عنده ادنى تامل لان المراد المبتغى هو حكم الله ‏(‏عز وجل‏)‏ على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فيما حكم به فهو الحق وخلافه باطل ولا يجوز ان يضاف إليه انه حكم بشيء وضده في امر واحد فيجعله اخاها من وجه وغير اخيها من وجه هذا لا يعقل ولا تحل اضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكيف يحكم لشبهه عتبة بحكم باطل وسنته في الملاعنة انها جاءت بالولد على النعت الذي رميت به ولم يلتفت إلى ذلك وامضى حكم الله فيه وقد حكى المزني عن الشافعي ان روية بن زمعة لسودة مباح في الحكم ولكنه كرهه للشبهة وامرها بالتنزه عنه اختيارا وهذا ايضا وجه محتمل وما قدمناه اصح لان سودة لم تعرفه ولم تقل انه اخوها ولم يلزمها اقرار اخيها وقد مضى في ذلك ما فيه كفاية وبيان والحمد لله كثيرا حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن ابي عمر قال حدثنا سفيان عن يعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من زنا بامراة حرة او بامة قوم فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث الولد للفراش وللعاهر الحجر قال سفيان قال بن ابي نجيح قال اول حكم بدل في الاسلام استلحاق معاوية زيادا وروى شعبة عن سعد بن ابراهيم عن سعيد بن المسيب قال اول قضاء علمته من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رد دعوة زياد قال ابو عمر يعني - والله اعلم - قوله ‏(‏الولد للفراش وللعاهر الحجر‏)‏ وفي قوله صلى الله عليه وسلم ايجاب الرجم على الزاني اذا كان محصنا دون البكر وهذا اجماع من المسلمين ان البكر لا رجم عليه في ذلك وقد قيل ان قوله عليه السلام ‏(‏الولد للفراش وللعاهر الحجر‏)‏ أي ان الزاني لا شيء له في الولد اذا ادعاه على حال من الاحوال كقولهم ‏(‏بفيك الحجر‏)‏ أي لا شيء لك مما قلت والله اعلم‏.‏

1413- مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن ابي امية ان امراة هلك عنها زوجها فاعتدت اربعة اشهر وعشرا ثم تزوجت حين حلت فمكثت عند زوجها اربعة اشهر ونصف شهر ثم ولدت ولدا تاما فجاء زوجها إلى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فدعا عمر نسوة من نساء الجاهلية قدماء فسالهن عن ذلك فقالت امراة منهن انا اخبرك عن هذه المراة هلك عنها زوجها حين حملت منه فاهريقت عليه الدماء فحش ولدها في بطنها فلما اصابها زوجها الذي نكحها واصاب الولد الماء تحرك الولد في بطنها وكبر فصدقها عمر بن الخطاب وفرق بينهما وقال عمر اما انه لم يبلغني عنكما الا خير والحق الولد بالاول قال ابو عمر اختلف العلماء في الاربعة الاشهر والعشر ليال التي جعلها الله تعالى ميقاتا لعدة المتوفى عنها زوجها هل تحتاج فيها إلى حيضة ام لا فقال بعضهم لا تبرا اذا كانت ممن توطا الا بحيضة تاتي بها في الاربعة الاشهر والعشر والا فهي مسترابة وقال اخرون ليس عليها اكثر من اربعة اشهر وعشر الا ان تستريب نفسها ريبة بينة لان هذه المدة لا بد فيها من الحيض في الاغلب من امر النساء الا ان تكون المراة ممن لا تحيض او ممن عرفت من نفسها او عرف منها ان حيضتها لا تاتيها الا في اكثر من هذه المدة وقد ذكرنا حكم المسترابة وما للعلماء فيها من المذاهب في كتاب الطلاق والحمد لله كثيرا وقد اجمع علماء المسلمين بان الولد لا يلحق الا في تمام ستة اشهر من يوم النكاح فما زاد إلى اقصى مدة الحمل على اختلافهم فيها فمالك يجعله خمس سنين ومن اصحابه من يجعله إلى سبع سنين والشافعي مدته عنده الغاية فيها اربعة سنين والكوفيون يقولون سنتان لا غير ومحمد بن عبد الحكم يقول سنة لا اكثر وداود يقول تسعة اشهر لا يكون عنده حمل اكثر منها وهذه مسالة لا اصل لها الا الاجتهاد والرد إلى ما عرف من امر النساء وبالله التوفيق واذا اتت المراة بولد لاقل من ستة اشهر كاملة لم يلحق باجماع من العلماء واختلفوا في المراة يطلقها زوجها في حين العقد عليها بحضرة الحاكم او الشهود فتاتي بولد لستة اشهر فصاعدا من ذلك الوقت عقيب العقد فقال مالك والشافعي لا يلحق به لانها ليست بفراش له اذ لم يمكنه الوطء ولا تكون المراة فراشا بالعقد المجرد حتى ينضم إليه امكان الوطء في العصمة وهو كالصغير او الصغيرة الذي لا يمكن للواحد منهما الوطء وقال ابو حنيفة هي فراش له ويلحقه ولدها ان جاءت به لستة اشهر من يوم العقد كانه جعل الفراش ولحوق الولد به تعبدا كما لو راى رجل رجلا يطا امراته او سريته او قامت بذلك البينة وجاءت بولد لحقه دون الزاني بها اذا كان يطاها قبل او بعد قال ابو عمر ذكر الطحاوي هذا القول عن ابي حنيفة واحتج له بقوله كما لو راى رجل رجلا يطا امراته وجاءت بولد الحق به دون الزاني اذا كان يطاها قبل او بعد وانما احتج له بذلك لانه اجماع عنده لم يعلم فيه خلافا لانه اذا اشترك الزنى والفراش في وقت واحد فالولد للفراش عند جمهور العلماء من السلف والخلف الا ان بن القاسم قال اذا قال رايتها اليوم تزني ووطاتها قبل الرؤية في اليوم او قبله ولم استبرا ولم ار بعد الرؤية لاعن ولم يلحق به ولده ان اتت به لستة اشهر او اكثر وانما يلحق به الولد اذا اتت به لاقل من ستة اشهر وهذا القول قد غلب فيه الزنى على الفراش ولم يقله احد علمته قبله وهو قول لا اصل له وقد ذكر ان مالكا قاله مرة ثم رجع عنه وقد روي عن المغيرة نحو قول بن القاسم وقال اشهب وبن عبد الحكم وبن الماجشون الولد لاحق بالزوج على كل حال اذا اقر بوطئها ولم يستبرئ وراها تزني وهذا هو الصحيح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الولد للفراش وللعاهر الحجر‏)‏ فنفى الولد عنه الاشتراك والامكان عن العاهر والزمه بالفراش على كل حال اذا امكن ان يكون للفراش وقد اجمعوا انه لو راها تزني ثم وطئها في يوم الزنى او بعده ان الولد لاحق به لا ينفيه بلعان ابدا وحسبك بهذا وبالله التوفيق‏.‏

1414- مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار ان عمر بن الخطاب كان يليط اولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الاسلام فاتى رجلان كلاهما يدعي ولد امراة فدعا عمر بن الخطاب قائفا فنظر اليهما فقال القائف لقد اشتركا فيه فضربه عمر بن الخطاب بالدرة ثم دعا المراة فقال اخبريني خبرك فقالت كان هذا لاحد الرجلين ياتيني وهي في ابل لاهلها فلا يفارقها حتى يظن وتظن انه قد استمر بها حبل ثم انصرف عنها فاهريقت عليه دماء ثم خلف عليها هذا تعني الاخر فلا ادري من ايهما هو قال فكبر القائف فقال عمر للغلام وال ايهما شئت قال ابو عمر روى هذا الحديث بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار بمعنى حديث مالك سواء فقال سفيان جعله عمر بينهما يرثانه ويرثهما حين اشتركا فيه وقال غيره هو للذي اتاها احرى قال سفيان وقوله ‏(‏وال ايهما شئت‏)‏ أي انتسب إلى ايهما شئت قال ابو عمر اما قوله ان عمر بن الخطاب كان يليط اولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الاسلام فقد مضى القول ان هذا منه كان خاصا في ولادة الجاهلية حيث لم يكن فراش واما في ولادة الاسلام فلا يجوز عند احد من العلماء ان يلحق ولد من زنا حدثني احمد بن عبد الله قال حدثني الميمون بن حمزة قال حدثني الطحاوي قال حدثني المزني قال حدثني الشافعي قال اخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن ابي يزيد عن ابيه قال ارسل عمر بن الخطاب إلى شيخ من بني زهرة - من اهل دارنا فذهبت مع الشيخ إلى عمر وهو في الحجر فساله عن ولاد من ولاد الجاهلية قال وكانت المراة في الجاهلية اذا طلقها زوجها او مات عنها نكحت بغير عدة فقال الرجل اما النطفة فمن فلان واما الولد فهو على فراش فلان فقال عمر صدقت ولكن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن ابي عمر قال حدثني سفيان عن عبد الله بن ابي يزيد عن ابيه قال دخل عمر بن الخطاب الحجر فارسل إلى رجل من بني زهرة يساله عن ولاد من ولاد الجاهلية فخرج الي فذهبت معه فاتاه وهو في الحجر فساله وكان اهل الجاهلية اذا مات الرجل او طلق لم تعتد امراته فقال اما النطفة فمن فلان واما الفراش فلفلان فقال له عمر صدقت ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ان الولد للفراش قال ابو عمر لم يلتفت عمر إلى قول القائف مع الفراش وعلى هذا جماعة الناس واما القول بالقافة فاباه الكوفيون واكثر اهل العراق ورووا عن عمر من حديث الشعبي وابراهيم ان عمر قال لرجلين تداعيا ولد امراة هو ابنكما وهو للباقي منكما وذكره عبد الرزاق عن الثوري عن قابوس بن ابي ظبيان عن ابيه عن علي - رضي الله عنه - انه اتاه رجلان وقعا على امراة في طهر واحد فقال الولد بينكما وهو للباقي منكما وعن ابي حنيفة عن حماد عن ابراهيم قال هو ابنهما يرثانه ويرثهما وعن سفيان الثوري في رجلين تنازعا ولدا يقول كل واحد منهما انه ولد على فراشه الا انه في يد احدهما قال هو للذي هو في يده اذا وضعته في ستة اشهر فان كان دون ستة اشهر فهو للاول الا ان يكون دون ستة اشهر بيوم او يومين قال هذا في الرجل يبيع الجارية من الرجل ثم يدعي ولدها ويدعي المشتري وقال سفيان الثوري في الولد يدعيه الرجلان انه يرث كل واحد منهما نصيب ذكر تام وهما جميعا يرثانه الثلث فاذا مات احدهما فهو للباقي منهما ومن نفاه احدهما لم يضرب الحد حتى ينفيه منهما جميعا فاذا صار للباقي منهما فانه يرث اخوته من الميت ولا يرثونه لانه يحجبهم ابوه الحي ويرثهم هو لانه اخوهم ويكون ميراثه الباقي وعقله عليه فاذا مات الاخر من الابوين صار عقله وميراثه للاخوة من الابوين جميعا وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد لا يقضى ببقول القافة في شيء لا في نسب ولا في غيره قالوا وان ادعى رجلان مسلمان ولدا جعل بينهما وجعلت الامة ام ولد لهما فان كانوا ثلاثة وادعوا ولدا لم يكن بينهم في قول ابي يوسف وقال محمد يكون بن الثلاثة اذا ادعوه معا كما يكون بين الاثنين ولو كانت الامة بين مسلم وذمي فجاءت بولد فادعياه جميعا فانه يجعل بن المسلم منهما عندهم ويضمن قيمة الامة لشريكه ونصف العقد وقال زفر يكون ابنهما جميعا ويكون مسلما وقد روي ذلك عن ابي حنيفة واختاره الطحاوي واما قول اهل الحجاز في القضاء بالقافة فروي عن عمر وبن عباس وانس بن مالك ولا مخالف لهم من الصحابة وهو قول عطاء بن ابي رباح وبه قال مالك واحمد والليث والاوزاعي والشافعي وابو ثور وهو قول عمر وبه قضى في محضر من الصحابة وقد زعم بعض من لا يرى القول بالقافة ان عمر انما ضرب القائف بالدرة لانه لم ير قوله شيئا يعمل به وهذا تعسف يشبه التجاهل لان قضاء عمر بالقافة اشهر واعرف من ان يحتاج إليه إلى شاهد بل انما ضربه بقولهف ‏(‏اشتركا فيه‏)‏ وكان يظن ان ماءين لا يجتمعان في ولد واحد استدلالا بقوله تعالى ‏(‏انا خلقناكم من ذكر وانثى ‏)‏ ‏[‏الحجرات 13‏]‏‏.‏

ولم يقل من ذكرين وانثى الا ترى انه قضى بقول القائف وقال ‏(‏وال ايهما شئت‏)‏ قال احمد اذا ادعى اللقيط مسلم وكافر ارى القافة فبايهم الحقوه لحق به ولم يختلف قول مالك واصحاب اذا قالت القافة قد اشتركا فيه ان يوقف الصبي حتى يبلغ فيه فيقال له ‏(‏وال ايهما شئت‏)‏ وانه ان مات قبل البلوغ والموالاة كان ميراثه بين الابوين وان مات احد الابوين وقف ميراث الولد منه فان والاه اخذ ميراثه وان والى الحي لم يكن له من ميراث الميت شيء وان مات الصبي بعد موت احدهما قبل البلوغ فها هنا اختلفوا وقد ذكرنا اختلافهم في كتاب ‏(‏اختلاف اقوال مالك واصحابه‏)‏ واختلفوا هل يقبل قول القائف الواحد ام لا فعند مالك فيه روايتان ‏(‏احدهما‏)‏ لا يقبل الا قائفان ‏(‏والاخرى ‏)‏ يقبل قول القائف الواحد وهو قول الشافعي لانه عنده كالحاكم لا كالشهود وهو الاشهر عن مالك وعليه اكثر اصحابهف وهو المروي عن عمر ومن لم يقبل من اصحاب مالك فيه الا قائفين جعلهما كالشاهدين وهو عندي احوط والله اعلم وقول الشافعي في ان الولد اذا كان صغيرا انتظر به البلوغ كقول مالك سواء فلا يكون ابنا لهما ولكن يوالي من شاء منهما على ما روى اهل المدينة عن عمر - رضي الله عنه - وفي دعاء عمر له القافة حين ادعاه اثنان دليل على انه لا يكون ابنا لاثنين ابدا وانما دعا له القائف ليلحقه باحدهما فلما قال اشتركا فيه قال له وال ايهما شئت وقد روي عن بعض المفسرين انه قال في قول الله عز وجل ‏(‏ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه‏)‏ الاحزاب قال لم اجد الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم نسبا احدا الا إلى اب واحد وقال ابو ثور يكون ابنهما اذا قال القائف قد اشترك فيه يرثهما ويرثانه وروي عن عمر انه جعله ابنهما واختلف الشافعي ومالك في القضاء بالقافة في اولاد الحرائر فقال مالك واكثر اصحابه ليس للقافة في اولاد الحرائر قول وانما يقبل قولهم في الاماء‏.‏

وقال الشافعي الحرائر والاماء في ذلك سواء اذا امكنت الدعوى به وقال اشهب ما كانت القافة الا في الحرائر وبه نقول‏.‏

وقال الشافعي اذا ادعى الحر والعبد او المسلم والذمي مولودا - قد وجد لقيطا فلا فرق بين واحد منهم كما لا يكون بينهم فرق فيما يملكون - فراه القافة فان الحقوه بواحد منهما فهو ابنه ابدا وان الحقوه بأكثر لم يكن بن واحد منهم حتى يبلغ فينتسب إلى ايهم شاء ويكون ابنه وتنقطع عنه دعوى الاخر وهو حر في كل حالاته بأيهم الحقته القافة لان اصل الناس الحرية حتى يعلم العبودية ومن الحجة في القضاء بالقافة مع ما روي في ذلك عن الصحابة - رضي الله عنهم - حديث بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق اسارير وجهه فقال ‏(‏الم تسمعي ما قال مجزز المدلجي لزيد واسامة - وراى اقدامهما فقال - ان هذه الاقدام بعضها من بعض‏)‏ رواه جماعة من ثقات اصحاب بن شهاب عنه وروى معمر عن ايوب عن بن سيرين ان عمر دعا القافة فراوا شبه الولد في الرجلين وراى عمر مثل ما رأت القافة قال قد كنت اعلم ان الكلبة تلقح الاكلب فيكون كل جرو لابيه وما كنت ارى ان ماءين يجتمعان في ولد واحد ومعمر عن ايوب عن ابي قلابة في هذه القصة ان عمر قال في هذا امر لا اقضي فيه شيئا ثم قال للغلام اجعل نفسك حيث شئت ومعمر عن الزهري عن عروة بن الزبير ان رجلين ادعيا ولدا فدعا عمر بالقافة واقتدى في ذلك بنظر القافة والحقه بأحد الرجلين ومعمر عن الزهري في رجل وقع على امة في عدتها من زوجها فقال يدعى لولدها القافة فان عمر بن الخطاب ومن بعده قد اخذوا بنظر القافة في مثل هذا قال ابو عمر قد روي في هذا الحديث حديث مسند حسن اخذ جماعة من اهل الحديث به ومن اهل الظاهر ورواه الثوري عن صالح بن يحيى عن الشعبي عن زيد بن ارقم قال كان علي - رضي الله عنه - باليمن فأتي بامراة وطئها ثلاثة في طهر واحد فسأل كل واحد منهم ان يقر لصاحبه فأبى فأقرع بينهم وقضى بالولد للذي اصابته القرعة وجعل عليه ثلثي الدية فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبه وضحك حتى بدت نواجذه ورواه بن عيينة عن الاجلح بن عبد الله الكندي عن الشعبي عن عبد الله بن الخليل عن زيد بن ارقم قال اتي علي بن ابي طالب - رضي الله عنه - باليمن في ثلاثة نفر وقعوا على جارية في طهر واحد فجاءت بولد فجاؤوا يختصمون في ولدها فقال علي لاحدهم تطيب نفسا وتدعه لهذين فقال لا وقال للاخر مثل ذلك فقال لا وقال للاخر مثل ذلك فقال لا فقال انتم شركاء متشاكسون واني اقرع بينكم فأيكم اصابته القزعة الزمته الولد وغرمته ثلثي القيمة او قال ثلثي قيمة الجارية فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه وقال ‏(‏ما اعلم فيها غير ما قال علي‏)‏‏.‏

1415- مالك انه بلغه ان عمر بن الخطاب او عثمان بن عفان قضى احدهما في امراة غرت رجلا بنفسها وذكرت انها حرة فتزوجها فولدت له اولادا فقضى ان يفدي ولده بمثلهم قال يحيى سمعت مالكا يقول والقيمة اعدل في هذا ان شاء الله قال ابو عمر قد روي ذلك عن عمر وعثمان جميعا ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج قال سمعت سليمان بن موسى يذكر ان عمر بن الخطاب قضي في الامة تأتي قوما فتخبرهم انها حرة فينكحها احدهم فتلد له فقضى عمر ان على ابيه مثل كل والد ولد له من الرقيق في الشبر والذرع قال بن جريج قلت لسليمان فان كان اولاده حسانا قال لا يكلف مثلهم في الحسن انما يكلف مثلهم في الزرع وقال بن جريج وقال عطاء ارى ان يفادي فيهم اباؤهم وعن معمر عن بن طاوس عن ابيه عن عمر بن الخطاب انه قال في ولد الامة تفر من نفسها عبدان قال معمر واخبرني من سمع الحسن يقول مكان كل عبد عبد ومكان كل جارته جارية ومعمر عن قتادة في الامة ينكحها الرجل وهو يرى انها حرة فتلد اولادا فقضى فيها عثمان مكان كل ولد عبد او مكان كل جارية جاريتان قال عبد الرزاق واخبرنا محمد بن مسلم عن ابراهيم بن ميسرة قال نكح رجل امة فولدت له فكتبت بذلك إلى عمر بن عبد العزيز فكتب ان تفادي اولاده بوصيفين احمرين كل واحد باثنين احب اهل الجارية او كرهوا وروى شعبة عن مغيرة عن ابراهيم في الرجل يتزوج الامة يقال له انها حرة قال صداقها على الذي غره قال شعبة وقال حماد مثل ذلك وقال الحكم اذا ولدت ففداء الولد على الاب وذكر عبد الرزاق عن الثوري في الامة تغر من نفسها الحر فقال على الاب قيمة الولد قال ولو غرة غيرها كانت القيمة ايضا على الاب ويتبع الذي غره قال الثوري وقال ابراهيم يغرم القيمة قال وقال بن أبي ليلى يقومون حين ولدوا لانهم احرار وقال الثوري يقومون حين يقضي فيهم القاضي قال ابو عمر قال مالك اذا غرت الامة من نفسها وتزوجت على انها حرة ودخل بها فلا يؤخذ منها المهر وقال بن القاسم ارى ان يؤخذ منها ما فضل عن مهر المثل‏.‏

وقال الشافعي على الغار قيمة الاولاد للاب وعلى الاب المستحق ولا يرجع عليه بعقره وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد اذا زوج رجل رجلا امراة على انها حرة فولدت له اولادا ثم استحقها رجل فعلى الاب قيمة الاولاد والعقر ويرجع بالقيمة على الغار ولا يرجع بالعقر وقال بن القاسم اذا اخبره انها حرة وزوجها منه وهو يعلم انها أمة لم يرجع بقيمة الاولاد على الذي غره لانه لم يغره من الولد ويرجع عليه بالمهر في راي ولا اقوم على حفظه عن مالك انه لا يرجع بقيمة الولد قال واذا اعلمه انه ليس بولي لها ثم زوجة منها لم يرجع عليه بالمهر قال ابو عمر يرجع عند الشافعي بقيمة الولد على الغار لان النكاح كان سبب الولد ولا يرجع بالمهر لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل للتي نكحت بغير اذن وليها صداقها بما استحل منها فنكاحها باطل وقال ان دخل بها فلها مهرها بما استحل منها واتفق مالك وابو حنيفة واصحابهما على ان القيمة انما تجب على الاب يوم يختصمون ويوم يحكم الحاكم بها قالوا ومن مات منهم قبل ذلك فلا شيء فيه وقال ابو حنيفة فان تخلف الابن الميت قبل الخصوم فيهم مالا لم يجب على الاب فيه شيء الا ان يكون قتل فأخذ الاب ديته وقال عبد الله بن الحسن استحبوا القيمة يوم يسقط الولد قال والقياس يوم يستحق‏.‏

وقال الشافعي على الاب القيمة يوم ولدوا وقال ابو ثور وداود الاولاد رقيق ولا قيمة فيهم على احد وقال الطحاوي القياس ان يكون الولد مملوكين الا انهم تركوا القياس باتفاق الصحابة على انهم احرار على الاب قيمتهم قال ابو عمر باجماعهم ان كل امة تلد من غير سيدها فولدها بمنزلتها فالقياس على ذلك ان يكون الولد مملوكا الا انه لا مدخل للقياس فيما يخالف فيه السلف فاتباعهم خير من الابتداع وبالله التوفيق‏.‏